تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٥٦
مجاز عن إشاعته فيكون الكلام وعدا بإظهار الإسلام وإفشائه، وفيه من الاستعارة ما فيه * (علام الغيوب) * خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه علام الغيوب أو صفة محمولة على محل إن مع اسمها كما جوزه الكثير من النحاة وإن منعه سيبويه أو بدل من ضمير * (يقذف) * ولا يلزم خلو جملة الخبر من العائد لأن المبدل منه ليس في نية الطرح من كل الوجوه، وقال الكسائي: هو نعت لذلك الضمير ومذهبه جواز نعت المضمر الغائب.
وقرأ عيسى. وزيد بن علي. وابن أبي إسحاق. وابن أبي عبلة. وأبو حيوة. وحرب عن طلحة * (علام) * بالنصب فقال الزمخشري: صفة لربي، وقال أبو الفضل الرازي: وابن عطية: بدل، وقال الحوفي: بدل أو صفة، وقيل نصب على المدح. وقرأ ابن ذكوان. وأبو بكر. وحمزة. والكسائي * (الغيوب) * بالكسر كالبيوت، والباقون بالضم كالعشور وهو فيهما جمع، وقرىء بالفتح كصبور على أنه مفرد للمبالغة.
* (قل جآء الحق وما يبدىء الب‍اطل وما يعيد) *.
* (قل جاء الحق) * أي الإسلام والتوحيد أو القرآن، وقيل السيف لأن ظهور الحق به وهو كما ترى * (وما يبدىء الباطل) * أي الكفر والشرك * (وما يعيد) * أي ذهب واضمحل بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء أي فعل أمر ابتداء ولا إعادة أي فعله ثانيا كما يقال لا يأكل ولا يشرب أي ميت فالكلام كناية عما ذكر أو مجاز متفرع على الكناية، وأنشدوا لعبيد بن الأبرص: أقفر من أهله عبيد * فاليوم لا يبدىء ولا يعيد وقال جماعة: الباطل إبليس وإطلاقه عليه لأنه مبدؤه ومنشؤه، ولا كناية في الكلام عليه، والمعنى لا ينشىء خلقا ولا يعيد أو لا يبدىء خيرا لأهله ولا يعيد أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة، وقيل هو الصنم والمعنى ما سمعت، وعن أبي سليمان أن المعنى إن الصنم لا يبتدىء من عنده كلاما فيجاب ولا يرد ما جاء من الحق بحجة.
و * (ما) * على جميع ذلك نافية، وقيل: هي على ما عدا القول الأول للاستفهام الإنكاري منتصبة بما بعدها أي أي شيء يبدىء الباطل وأي شيء يعيد ومآله النفي، والكلام جوز أن يكون تكميلا لما تقدم وأن يكون من باب العكس والطرد وأن يكون تذييلا مقررا لذلك فتأمل.
* (قل إن ضللت فإنمآ أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب) *.
* (قل إن ضللت) * عن الحق * (فإنما أضل على نفسي) * أي عائدا ضرر ذلك ووباله عليها فإنها الكاسبة للشرور والأمارة بالسوء * (وإن اهتديت) * إلى الحق * (فبما يوحى إلي ربي) * فإن الاهتداء بهدايته تعالى وتوفيقه عز وجل، وما موصولة أو مصدرية، وكان الظاهر وإن اهتديت فلها كقوله تعالى: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) * (فصلت: 46) أو إن ضللت فإنما أضل بنفسي ليظهر التقابل لكنه عدل عن ذلك اكتفاء بالتقابل بحسب المعنى لأن الكلام عليه أجمع فإن كل ضرر فهو من النفس وبسببها وعليها وباله، وقد دل لفظ على في القرينة الأولى على معنى اللام في الثانية والباء في الثانية على معنى السببية في الأولى فكأنه قيل: قل إن ضللت فإنما أضل بسبب نفسي على نفسي وإن اهتديت فإنما اهتدى لنفسي بهداية الله تعالى وتوفيقه سبحانه، وعبر عن هذا * (بما يوحى إلى ربي) * لأنه لازمه، وجعل على للتعليل وإن ظهر عليه التقابل ارتكاب لخلاف الظاهر من غير نكتة. وجوز أن يكون معنى القرينة الأولى قل إن ضللت فإنما أضل علي لا على غيري، ولا يظهر عليه أمر التقابل مطلقا، والحكم على ما قال الزمخشري عام وإنما أمر صلى الله عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»