ولا بما دل عليه، وأما ادعاء أن الأكثر كونه لما مضى فقد قيل أيضا إنه غير مسلم، وحكى الطبرسي أن المراد بالذين كفروا اليهود وحينئذ يراد بما بين يديه الإنجيل، ولا يخفى أن هذا القول مما لا ينبغي أن يلتفت إليه وليس في السباق والسياق ما يدل عليه * (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) * الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه، ومفعول * (ترى) * إذ أو محذوف و * (إذ) * ظرف له أي أي حال الظالمين و * (لو) * للتمني مصروفا إلى غيره تعالى لا جواب لها أو هو مقدر أي لرأيت أمرا فظيعا أو نحوه، و * (الظالمون) * ظاهر وضع موضع الضمير للتسجيل وبيان علة استحقاقهم، والأصل ولو ترى إذ هم موقوفون عند ربهم أي في موقف المحاسبة * (يرجع بعضهم إلى بعض القول) * أي يتحاورون ويتراجعون القول، والجملة في موضع الحال، وقوله تعالى: * (يقول الذين استضعفوا) * استئناف لبيان تلك المحاورة أو بدل من * (يرجع) * الخ أي يقول الأتباع * (للذين استكبروا) * في الدنيا واستتبعوهم في الغي والضلال * (لولا أنتم) * صددتمونا عن الهدى * (لكنا مؤمنين) * بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
* (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جآءكم بل كنتم مجرمين) *.
* (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا) * استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال الذين استكبروا لما اعترض عليهم الأتباع ووبخوهم؟ فقيل قالوا: * (أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) * أنكروا أن يكونوا هم الذين صدوهم عن الإيمان وأثبتوا أنهم هم الذين صدوا أنفسهم أي لسنا نحن الذين حلنا بينكم وبين الإيمان بعد إذ صممتم على الدخول فيه بل أنتم منعتم أنفسكم حظها بإجرامكم وأيثاركم الكفر على الإيمان.
ووقوع إذ مضافا إليها الظرف شائع في كلامهم كوقوعها مضافة وذلك من باب الاتساع في الظروف لا سيما الزمانية، وبهذا يجاب عما قيل إن إذ من الظروف اللازمة للظرفية فكيف وقعت ههنا مجرورة مضافا إليها.
وقال صاحب الفرائد إن إذ ههنا جردت عن معنى الظرفية وانسلخت عنه رأسا وصيرت اسما صرفا لأن المراد من وقت مجيء الهدى هو الهدى لا الوقت نفسه فلذا أضيف إليها.
* (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر اليل والنهار إذ تأمروننآ أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الاغلال فىأعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) *.
* (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا) * اضرابا عن اضرابهم وإبطالا له * (بل مكر الليل والنهار) * أي بل صدنا مكركم بنا في الليل والنهار فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعا أو جعل الليل والنهار ماكرين على الإسناد المجازي، وقيل لا حاجة إلى ذلك فإن الإضافة على معنى في. وتعقب بأنها مع أن المحققين لم يقولوا بها يفوت باعتبارها المبالغة، ويعلم مما أشرنا إليه أن * (مكر) * فاعل لفعل محذوف، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي سبب كفرنا مكر الليل والنهار أو مكر الليل والنهار سبب كفرنا. وقرأ قتادة. ويحيى ابن يعمر * (بل مكر الليل والنهار) * بالتنوين ونصب الظرفين أي بل صدنا مكركم أو مكر عظيم في الليل والنهار. وقرأ محمد بن جعفر. وسعيد بن جبير. وأبو رزين. وابن يعمر أيضا * (مكر الليل والنهار) * بفتح الميم والكاف وتشديد الراء والرفع مع الإضافة أي بل صدنا كرور الليل والنهار واختلافهما، وأرادوا على ما قيل الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله عز وجل.
وقرأ ابن جبير أيضا. وراشد القاري. وطلحة. كذلك إلا أنهم نصبوا * (مكر) * على الظرف أي بل صددتمونا مكر الليل والنهار أي في مكرهما أي دائما، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا أي تكرون الإغراء مكرا دائما لا تفترون عنه، وجوز صاحب اللوامح كونه ظرفا لتأمروننا بعد. وتعقبه أبو حيان بأنه وهم لأن ما بعد إذ لا يعمل