تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٥٣
من قوم من الكفرة.
* (ومآ ءاتين‍اهم من كتب يدرسونها ومآ أرسلنا إليهم قبلك من نذير) *.
* (وما آتيناهم) * أي أهل مكة * (من كتب يدرسونها) * تقتضي صحة الإشراك ليعذروا فيه فهو كقوله تعالى: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) * (الروم: 35) وقوله سبحانه: * (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) * (الزخرف: 21) وإلى هذا ذهب ابن زيد، وقال السدي: المعنى ما آتيناهم كتبا يدرسونها فيعلموا بدراستها بطلان ما جئت به، ويرجع إلى الأول، والمقصود نفى أن يكون لهم دليل على صحة ما هم عليه من الشرك، ومن صلة، وجمع الكتب إشارة على ما قيل إلى أنه لشدة بطلانه واستحالة إثباته بدليل سمعي أو عقلي يحتاج إلى تكرر الأدلة وقوتها فكيف يدعى ما تواترت الأدلة النيرة على خلافه. وقرأ أبو حيوة * (يدرسونها) * بفتح الدال وشدها وكسر الراء مضارع أدرس افتعل من الدرس ومعناه يتدارسونها، وعنه أيضا * (يدرسونها) * من التدريس وهو تكرير الدرس أو من درس الكتاب مخففا ودرس الكتب مشددا التضعيف فيه باعتبار الجمع.
* (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) * أي وما أرسلنا إليهم قبلك نذيرا يدعوهم إلى الشرك وينذرهم بالعقاب على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له بوجه من الوجوه فمن أين ذهبوا هذا المذهب الزائغ، وفيه من التهكم والتجهيل ما لا يخفى، ويجوز أن يراد أنهم أميون كانوا في فترة لا عذر لهم في الشرك ولا في عدم الاستجابة لك كأهل الكتاب الذين لهم كتب ودين يأبون تركه ويحتجون على عدم المتابعة بأن نبيهم حذرهم ترك دينهم مع أنه بين البطلان لثبوت أمر من قبله باتباعه وتبشير الكتب به، وذكر ابن عطية أن الأرض لم تخل من داع إلى توحيد الله تعالى فالمراد نفي إرسال نذير يختص بهؤلاء ويشافههم، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل عليه السلام والله تعالى يقول: * (إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا) * (مريم: 54) ولكن لم يتجرد للنذارة وقاتل عليها إلا محمد صلى الله عليه وسلم اه‍، ثم إنه تعالى هددهم بقوله سبحانه:
* (وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار مآ ءاتين‍اهم فكذبوا رسلى فكيف كان نكير) *.
* (وكذب الذين من قبلهم) * من الأمم المتقدمة والقرون الخالية بما كذبوا * (وما بلغوا) * أي أهل مكة * (معشار) * أي عشر * (ما ءاتيناهم) * وقال: قوم المعشار عشر العشر ولم يرتضه ابن عطية، وقال الماوردي: المراد المبالغة في التقليل أي ما بلغوا أقل قليل مما آتينا أولئك المكذبين من طول الأعمال وقوة الأجسام وكثرة الأموال * (فكذبوا) * أي أولئك المكذبون * (رسلي) * الذين أرسلتهم إليهم * (فكيف كان نكير) * أي إنكاري لهم بالتدمير فليحذر هؤلاء من مثل ذلك.
والفاء الأولى سببية و * (كذب) * الأول تنزيل منزلة للازم أي فعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه، ونظير ذلك أن يقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن هنا قالوا: إن * (كذبوا رسلي) * عطف على * (كذب الذين) * عطف المقيد على المطلق وهو تفسير معنى * (وما بلغوا) * اعتراض والفاء الثانية فصيحة فيكون المعنى فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير فكيف كان نكيري لهم، وجعل التدمير إنكارا تنزيلا للفعل منزلة القول كما في قوله: ونشتم بالأفعال لا بالتكلم أو على نحو. تحية بينهم ضرب وجيع وجوز بعضهم أن يكون صيغة التفعيل في * (كذب الذين للتكثير) * وفي * (كذبوا) * للتعدية والمكذب فيهما واحد أي أنهم أكثروا الكذب وألفوه فصار سجية لهم حتى اجترؤا على تكذيب الرسل، وعلى الوجهين لا تكرار، وجوز أن يكون * (كذبوا
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»