تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٣٤
فقاس الفرع على الأصل والولد على الوالد، وقيل: إنه أدرك ما ركب فيهم من الشهوة والغضب وهما منشئان للشرور، وقيل: إن ذاك كان ناشئا من سماع قول الملائكة عليهم السلام * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * (البقرة: 30) يوم قال سبحانه لهم: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * (البقرة: 30) ويمكن أن يكون منشأ ذلك ما هو عليه من السوء كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه * وصدق ما يعتاده من توهم وجوز أن يكون كل ماذ كر منشأ لظنه في سبأ، والكلام على الوجه الأول في الضمير على ما قال الطيبي تتمة لسابقه إما حالا أو عطفا، وعلى الثاني هو كالتذييل تأكيدا له. وقرأ البصريون * (صدق) * بالتخفيف فنصب * (ظنه) * على إسقاط حرف الجر والأصل صدق في ظنه أي وجد ظنه مصيبا في الواقع فصدق حينئذ بمعنى أصاب مجازا. وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع الحال و * (صدق) * مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث " صدق وعده ونصر عبده " وقوله تعالى: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * (الأحزاب: 23).
وقرأ زيد بن علي. وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم. والزهري. وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء العرب وبلال بن أبي برزة بنصب * (إبليس) * ورفع * (طنه) * كذا في " البحر " والظان ذلك مع قراءة * (صدق) * بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر ابن جني أن الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف * (صدق) * أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو * (إبلس ظنه) * برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم الزمخشري القارىء بذلك فقال قرىء بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرىء بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في * (صدق) * كقوله: فدت نفسي وما ملكت يميني * فوارس صدقت فيهم ظنوني وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات * (عليهم) * متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها * (فاتبعوه) * أي سبأ وقيل بنو آدم * (إلا فريقا من المؤمنين) * أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني آدم؛ وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.
* (وما كان له عليهم من سلط‍ان إلا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها فى شك وربك على كل شىء حفيظ) *.
* (وما كان له عليهم من سلطان) * أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
* (إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن منها في شك) * استثناء مفرغ من أعم العلل، و * (من) * موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة التي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب وهو مضمن معنى التميز لمكان من أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»