المبنية على الحكم البالغة فلو كان البسط دليل الإكرام والرضا لاختص به المطيع وكذا لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط لاختص به العاصي وليس فليس، والحاصل كما قيل منع كون ذلك دليلا على ما زعموا لاستواء المعادي والموالي فيه، وقال جمع: أريد أنه تعالى يفعل ذلك حسب مشيئته المبنية على الحكم فلا ينقاس عليه أمر الثواب والعقاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها، وقال ناصر الدين: لو كان ذلك لكرامة أو هوان يوجبانه لم يكن بمشيئته تعالى، وهو مبني على أن الإيجاب ينافي الاختيار والميئة وقد قال به الخفاجي أخذا من كلام مولانا جلال الدين ورد به على من رد، ولا يخفى أن دعوى المترفين الإيجاب على الله تعالى فيما هم فيه من بسط الرزق وكذا فيما فيه أعداؤهم من تضييقه غير ظاهرة حتى يرد عليهم بإثبات الميئة التي لا تجامع الإيجاب، وقرأ الأعمش * (ويقدر) * مشدد هنا وفيما بعد * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * ذلك فمنهم من يزعم أن مدار البسط الشرق والكرامة ومدار التضييق الهوان والحقارة، ومنهم من تحير واعترض على الله تعالى في البسط على أناس والتضييق على آخرين حتى قال قائلهم:
كم عالم عالم أعيت مذاهبه * وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترى الأفهام حائرة * وصير العالم النحرير زنديقا وعنى هذا القائل بالعالم النحرير نفسه، ولعمري أنه بوصف الجاهل البليد أحق منه بهذا الوصف فالعالم النحرير من يقول: ومن الدليل على القضاء وحكمه * بؤس اللبيب وطيب عيشي الأحمق * (ومآ أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى إلا من ءامن وعمل صالحا فأولائك لهم جزآء الضعف بما عملوا وهم فى الغرفات ءامنون) *.
* (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) * كلام مستأنف من جهته عز وجل خوطب به الناس بطريق التلوين والالتفات مبالغة في تحقيق الحق وتقرير ما سبق كذا في " إرشاد العقل السليم "، وجوز أن يكون ما تقدم لنفي أن يكون القرب والكرامة مدارا وعلة لكثرة الرزق وهذا النفي أن تكون كثرة الرزق سببا للقرب والكرامة ويكون الخطاب للكفرة، والتي واقع على الأموال والأولاد، وحيث أن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث وكان المجموع بمعنى جماعة صح الأفراد والتأنيث أي وما جماعة أموالكم وأولادكم بالجماعة التي تقربكم عندنا قربة، ولا حاجة إلى تقدير مضاف في النظم الكريم، وما ذكر تقدير معنى لا إعراب، وعن الزجاج أن في الكلام حذفا في أوله لدلالة ما في آخره والتقدير وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي الخ، وأنت تعلم أنه لا حاجة إليه أيضا، وجوز أن تكون التي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة التي، وجوز الزمخشري أن تكون التي كناية عن التقوى لأن المقرب إلى الله تعالى ليس إلا تلك أي وما أموالكم ولا أولادكم بتلك الموضوعة للتقريب. وقرأ الحسن * (باللاتي) * جمعا وهو راجع للأموال والأولاد كالتي على ما سمعت أولا. وقرىء * (بالذي) * أي بالشيء الذي يقربكم.
وزلفى مصدر كالقربى وانتصابه على المصدرية من المعنى. وقرأ الضحاك * (زلفا) * بفتح اللام وتنوين الفاء جمع زلفة وهي القربة * (إلا من آمن وعمل صالحا) * استثناء من مفعول * (تقربكم) * على ما ذهب إليه جمع وهو استثناء متصل إذا كان الخطاب عاما للمؤمنين والكفرة ومنقطع إذا كان خاصا بالكفرة فالموصول في محل نصب