فيما قبلها، وقوله تعالى: * (إذ تأمروننا) * بدل من الليل والنهار أو تعليل للمكر، وجعله في الإرشاد ظرفا له أي بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا * (أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) * على أن مكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر وأما أمور آخر مقارنة لأمرهم داعية إلى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك.
وجملة * (قال الذين استضعفوا) * الخ عطف على جملة * (يقول الذين استضعفوا) * الخ وإن تغايرتا مضيا واستقبالا.
ولما كان هذا القول رجوعا منهم إلى الكلام دون قول المستكبرين أنحن صددناكم فإنه ابتداء كلام وقع جوابا للاعتراض عليهم جيء بالعاطف ههنا ولم يجىء به هناك على ما اختاره بعضهم، وقيل: إن النكتة في ذلك أنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله تعالى: * (يرجع بعضهم إلى بعض القول) * (سبأ: 31) كان مظنة إن يقال: فماذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع؟ فقيل: قال الذين استكبروا كذا، وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج محموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض فتدبر، والانداد جمع ند هو شائع فيمن يدعى أنه شريك مطلقا لكن ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره الجاري فيه على مسلك المفسرين إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن وبخطه الشريف النوراني رأيته أنه مخصوص بمن يدعي الألوهية كفرعون وإضرابه لأن بذلك ندعن الله تعالى وشرد عن رحمته سبحانه، وقال الشيخ: لأنه شرد عن العبودية له جل شأنه * (وأسروا) * أي أضمر الظالمون من الفريقين المستكبرين والمستضعفين * (الندامة) * على ما كان منهم في الدنيا من الضلال والإضلال نظرا للمستكبرين ومن الضلال فقط نظرا للمستضعفين، والقول بحصول ندامتهم على الاضلال أيضا باعتبار قبوله تكلف، ولم يظهروا ما يدل عليها من المحاورة وغيرها * (لما رأوا العذاب) * لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق واشتغلوا عن إظهارها بشغل شاغل، وقيل: اخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير، وتعقب بأنه كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤساهم لولا أنتم لكنا مؤمنين وأي ندامة أشد من هذا، وأيضا مخافة التعيير في ذلك المقام بعيدة، وقيل: أسروا الندامة بمعنى اظهروها فإن اسر من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب فمعنى أسره جعله سرا أو إزال سره ونظيره أشكيت؛ وأنشد الزمخشري لنفسه: شكوت إلى الإيام سوء صنيعها * ومن عجب باك فشكى إلى المبكي فما زادت الأيام إلا شكاية * وما زالت الأيام نشكى ولا تشكي وتعقب ابن عطية هذا القول بأنه لم يثبت قط في لغة ان أسر من الأضداد، وأنت تعلم أن المثبت مقدم على النافي فلا تغفل * (وجعلنا الأغلالا) * أي القيود * (في أعناق الذين كفروا) * وهم المستكبرون والمستضعفون والأصل في أعناقهم إلا أنه أظهر في مقام الإضماء للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب اغلالهم، واستظهر أبو حيان عموم الموصول فيدخل فيه الفريقان المذكوران وغيرهم لأن من الكفار من لا يكون له اتباع تراجعه القول في الآخرة ولا يكون هو تبابعا لرئيس له كالغلام الذي قتله الخضر عليه السلام * (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * أي لا يجوزون إلا مثل الذي كانوا يعملونه من الشر، وحاصله لا يجزون إلا شرا، وجزي قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه كما يشير إليه قول الراغب يقال جزيته كذا وبكذا، وجوز كون ما في محل النصب بنزع الخافض وهو إما الباء أو عن أو على فإنه رود تعدية جزي بها جميعا، وقيل: إن هذا التعدي لتضمينه معنى القضاء ومتى صح ما سمعت