تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٤٢
كما قال ابن عطية، وأصله من الكف بمعنى المنع وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج واشتهر في ذلك حتى قطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فمعنى جاء الناس كافة جاؤوا جميعا، ويشير إلى هذا الإعراب ما أخرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية: أي إلى الناس جميعا، وما أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال: أي للناس كافة، وكذا ما أخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم فاكرمهم على الله تعالى أطوعهم له، وما نقل عن ابن عباس أنه قال: أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وهو مبني على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو الذي ذهب إليه خلافا لكثير من النحاة أبو علي. وابن كيسان. وابن برهان. والرضى. وابن مالك حيث قال:
وسبق حال ما بحرف جرقد * أبوا ولا أمنعه فقد ورد وأبو حيان حيث قال بعد أن نقل الجواز عمن عدا الرضى من المذكورين وهو الصحيح: ومن أمثلة أبي على زيد خير ما يكون خير منك، وقال الشاعر: إذا المرء أعيته المروءة ناشئا * فمطلبها كهلا عليه شديد وقال آخر: تسليت طرا عنكم بعد بينكم * بذكراكم حتى كأنكم عندي وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به، ومن ذلك قوله: مشغوفة بك قد شغفت وإنما * حتم الفراق فما إليك سبيل وقول آخر: غافلا تعرض المنية للمر * ء فيدعى ولات حين إباء وإذا جاز تقديمها على المجرور والعامل فتقديمها عليه دون العامل أجوز انتهى، وجعلوا هذا الوجه أحسن الأوجه في الآية وقالوا: إن ما عداه تكلف، واعترض بأنه يلزم عليه عما ما قبل إلا وهو - أرسل - فيما بعدها وهو * (للناس) * وليس بمستثنى ولا مستثنى منه ولا تابعا له وقد منعوه، وأجيب بأن التقدير وما أرسلناك للناس إلا كافة فهو مقدم رتبة ومثله كاف في صحة العمل مع أنهم يتوسعون في الظرف ما لا يتوسعون في غيره.
وقال الخفاجي عليه الرحمة: الاحسن أن يجعل * (للناس) * مستثنى على أن الاستثناء فيه مفرغ وأصله ما أرسلناك لشيء من الأشياء إلا لتبليغ الناس كافة، وأما تقديره بما أرسلناك للخالق مطلقا إلا للناس كافة على أنه مستثنى فركيك جدا اه‍، ولا يخفى أن في الآية على ما استحسنه حذف المضاف والفصل بين أداة الاستثناء والمستثنى وتقديم الحال على صاحبها والكل خلاف الأصل وقلما يجتمع مثل ذلك في الكلام الصيح. واعترض عليه أيضا بأنه يلزم حينئذ جعل اللام في * (للناس) * بمعنى إلى وليس بشيء لأن أرسل يتعدى باللام وإلى كما ذكره أبو حيان وغبره فلا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى على أنه لو جعلت بمعناها لا يلزم خطأ أصلا لمجيء كل من اللام وإلى بمعنى الآخر، وكذا لا حاجة إلى جعلها تعليلية إلا على ما استحسنه الخفاجي.
وقال غيرو احد: إن * (كافة) * اسم فاعل من كف والتاء فيه للمبالغة كتاء راوية ونحو وهو حال من مفعول * (أرسلناك) * و * (للناس) * متعلق به وإليه ذهب أبو حيان أي ما أرسلناك إلا كافا ومانعا للناس عن الكفر والمعاصي.
وإلى الحالية من الكاف ذهب أبو علي أيضا إلا أنه قال: المعنى إلا جامعا للناس في الإبلاغ. وتعقبه أبو حيان بان اللغة لا تساعد على ذلك لأن كف ليس بمحفوظ أن معناه جمع، وفيه منه ظاهر لأنه يقال: كف القميص
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»