تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٤٣
* (بما كانوا به يشركون) * أي بإشراكهم بالله عز وجل، وصحته على أن * (ما) * مصدرية وضمير * (به) * له تعالى أو بالأمر الذي يشركون بسببه وألوهيته على أن " ما " موصولة وضمير " به " لها والباء سببية، والمراد نفى أن يكون لهم مستمسك يعول عليه في شركهم.
* (وإذآ أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) *.
* (وإذا أذقنا الناس رحمة) * أي نعمة من صحة وسعة ونحوهما * (فرحوا بها) * بطرا وأشرا فإنه الفرح المذموم دون الفرح حمدا وشكرا. وهو المراد في قوله تعالى: * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * وقال الإمام: المذموم الفرح بنفس الرحمة والممدوح الفرح برحمة الله تعالى من حيث أنها مضافة إلى الله تعالى: * (وإن تصبهم سيئة) * شدة * (بما قدمت أيديهم) * بشؤم معاصيهم * (إذا هم يقنطون) * أي فاجؤوا القنوط من رحمته عز وجل، والتعبير بإذا أولا لتحقق الرحمة وكثرتها دون المقابل، وفي نسبة الرحمة إليه تعالى دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه سبحانه الشر وهو كثير كقوله تعالى: * (أنعمت والمغضوب) * في الفاتحة، وعدم بيان سبب إذاقة الرحمة وبيان سبب إصابة السيئة على الاستمرار في القنوط، والمراد بالناس أما فريق آخر غير الأول على أن التعريف للعهد أو للجنس وأما الفريق الأول لكن الحكم الأول ثابت لهم في حال تدهشهم كمشاهدة الغرق وهذا الحكم في حال آخر لهم فلا مخالفة بين قوله تعالى: * (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه) * (الروم: 33) وقوله سبحانه: * (وإن تصبهم شيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) * (الروم: 36) فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأن الدعاء اللساني جار على العادة فلا ينافي القنوط القلبي ولذا سمع بعض الخائضين في دم عثمان رضي الله تعالى عنه يدعو في طوافه ويقول: اللهم اغفر لي ولا أظنك تفعل، أو المراد يفعلون فعل القانطين كالاهتمام بجمع الذخائر أيام الغلاء، ولا يخفى أن في المفاجأة نبوة ما عن هذا فتأمل.
وقرىء " يقنطون " بكسر النون.
* (أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر إن فى ذلك لأي‍ات لقوم يؤمنون) *.
* (أو لم يروا) * أي ألم ينظروا ولم يشاهدوا * (أن الله يبسط الرزق لمن يشاء) * أن يبسطه تعالى له: * (ويقدر) * أي ويضيقه على من يشاء أن يضيقه عليه، وهذا اما باعتبار شخصين أو باعتبار شخص واحد في زمانين، والمراد إنكار فرحهم وقنوطهم في حالتي الرخاء والشدة أي أولم يروا ذلك فما لهم لم يشركوا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين * (إن في ذالك) * المذكور أي البسط وضده أو جميع ما ذكر * (لآيات لقوم يؤمنون) * فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة والله تعالى در من قال: نكدر الاريب وطيب عيش الجاهل * قد أرشداك إلى حكيم كامل قال الطيبي: كانت الفاصلة قوله تعالى: * (لقوم يؤمنون) * إيذانا بأنه تعالى يفعل ذلك بمحض مشيئته سبحانه وليس الغني بفعل العبد وجهده ولا العدم بعجزه وتقاعده ولا يعرف ذلك إلا من آمن بأن ذلك تقدير العزيز العليم كما قال:
كم من أريب فهم قلبه * مستكمل العقل مقل عديم ومن جهول مكثر ماله * ذلك تقدير العزيز العليم * (فاات ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأول‍ائك هم المفلحون) *.
* (فآت ذا القربى حقه) * من الصلة والصدقة وسائر المبرات * (والمسكين وابن السبيل) * ما يستحقانه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على أنه عليه الصلاة والسلام المقصود أصالة وغيره من المؤمنين تبعا، وقال الحسن
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»