هو خطاب لكل سامع، وجوز غير واحد أن يكون لمن بسط له الرزق، ووجه تعلق هذا الأمر بما قبله واقترانه بالفاء على ما ذكره الزمخشري أنه تعالى لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، وحاصله على ما في الكشف أن امتثال أوامره تعالى مجلبة رضاه والحياة الطيبة تتبعه كما أن عصيانه سبحانه مجلبة سخطه والجدب والضيقة من روادفه فإذا استبان ذلك فآت يا محمد ومن تبعه أو فآت يا من بسط له الرزق ذا القربى حقه الخ، وذكر الإمام وجها آخر مبنيا على أن الأمر متفرع على حديث البسط والقدر وهو أنه تعالى لما بين أنه سبحانه يبسط ويقدر أمر جل وعلا بالاتفاق إيذانا بأنه لا ينبغي أن يتوقف الإنسان في الإحسان فإن الله تعالى إذا بسط الرزق لا ينقص بالإنفاق وإذا قدر لا يزداد بالامساك كما قيل:
إذ جادت الدنيا عليك فجد بها * على الناس طرا إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب قال صاحب الكشف روح الله تعالى روحه: إن ما ذكره الزمخشري أوفق لتأليف النظم الجليل فإن قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله يبسط الرزق) * (الروم: 37) لتتميم الإنكار على فرح بالنعمة عن شكر المنعم ويئش عند زوالها عنه، والظاهر على ما ذكره الإمام أن المراد بالحق الحق المالي وكذا المراد به في جانب المسكين وابن السبيل، وحمل ذلك بعضهم على الزكاة المفروضة. وتعقب بأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة واستثناء هذه الآية ودعوى أنها مدنية يحتاج إلى نقل صحيح، وسبق النزول على الحكم بعيد ولذا لم يذكر هنا بقية الأصناف، وحكى أن أبا حنيفة استدل بالآية على وجوب النفقة لكل ذي رحم محرم ذكرا كان أو أنثى إذا كان فقيرا أو عاجزا عن الكسب، ووجه بأن * (آت) * أمر للوجوب، والظاهر من الحق بقرينة ما قبله انه مالي ولو كان المراد الزكاة لم يقدم حق القربى إذ الظاهر من تقديمه المغايرة، والشافعية أنكروا وجوب النفقة على من ذكر وقالوا: لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين على ما بين في الفقه، والمراد بالحق المصرح به في ذي القربي صلة الرحم بأنواعها وبالحق المعتبر في جانب المسكين وابن السبيل صدقة كانت مفروضة قبل فرض الزكاة أو الزكاة المفروضة والآية مدنية أو مكية والنزول سابق على الحكم. واعترض على هذا بأنه إذا فسر حق الآخرين بالزكاة وجب تفسير الأول بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب والندب، ولذا استدل أبو حنيفة عليه الرحمة بالآية على ما تقدم، وفيه بحث.
وقال بعض أجلة الشافعية رادا على الاستدلال: إنه كيف يتم مع احتمال أن يكون الأمر بإيتاء الصدقة أيضا بدليل ما تلاه، ثم إن * (ذا القربى) * مجمل عند المستدل ومن أين له أنه بين بذي الرحم المحرم، وكذلك قوله تعالى: * (حقه) * ثم قال: والحق أنه أمر بتوفير حقه من الصلة لا خصوص النفقة وصلة الرحمن من الواجبات المؤكدة انتهى، والحق أحق بالاتباع، ودليل الإمام عليه الرحمة ليس هذا وحده كما لا يخفى على علماء مذهبه.
وخص بعض الخطاب به صلى الله عليه وسلم وقال: المراد بذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب أمر صلى الله عليه وسلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة والفيء، وفي مجمع البيان للطبرسي من الشيعة المعنى وآت يا محمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها الله تعالى لهم من الأخماس. وروي أبو سعيد الخدري. وغيره أنه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة والسلام فاطمة رضي الله تعالى عنها فدكا وسلمه إليها، وهو المروى عن أبي جعفر. وأبي عبد الله انتهى، وفيه أن هذا ينافي ما اشتهر عند الطائفتين من أنها رضي الله تعالى عنها