* (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) *.
* (ويوم تقوم الساعة) * التي هي وقت إعادة الخلق ومرجعهم إليه عز وجل: * (يبلس المجرمون) * أي يسكتون وتنقطع حجتهم، قال الراعب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ومنه اشتق إبليس فيما قيل، ولما كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت وينسى ما يعينه قيل أبلس فلان إذا سكت وانقطعت حجته وأبلست الناقة فهي مبلاس إذا لم ترغ من شدة الضبعة وقال ابن ثابت: يقال أبلس الرجل إذا يئس من كل خير، وفي الحديث " وأنا مبشرهم إذا أبلسوا " والمراد بالمجرمين على ما أفاده الطيبي أولئك الذين أساءوا السوأى لكنه وضع الظاهر موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بهذا الوصف الشنيع والإشعار بعلة الحكم.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي * (يبلس) * بفتح اللام وخرج على أن الفعل من أبلسه إذا أسكته، وظاهره أنه يكون متعديا وقد أنكره أبو البقاء. والسمين. وغيرهما حتى تكلفوا وقالوا: أصله يبلس إبلاس المجرمين على إقامة المصدر مقام الفاعل ثم حذفه وإقامة المضاف إليه مقامه. وتعقبه الخفاجي عليه الرحمة فقال: لا يخفى عدم صحته لأن إبلاس المجرمين مصدر مضاف لفاعله وفاعله هو فاعل الفعل بعينه فكيف يكون نائب الفاعل فتأمل.
وأنت تعلم أنه متى صحت القراءة لا تسمع دعوى عدم سماع استعمال أبلس متعديا.
* (ولم يكن لهم من شركآئهم شفعاء وكانوا بشركآئهم كافرين) *.
* (ولم يكن لهم من شركائهم) * ممن أشركوهم بالله سبحانه في العبادة ولذا أضيفوا إليهم، وقيل: إن الإضافة لإشراكهم إياهم بالله تعالى في أموالهم والمراد بهم الأوثان، وقال مقاتل: الملائكة عليهم السلام، وقيل: الشياطين، وقيل: رؤساؤهم * (شفعاء) * يجيرونهم من عذاب الله تعالى كما كانوا يزعمون، وجىء بالمضارع منفيا بلم التي تقلبه ماضيا للتحقق، وصيغة الجمع لوقوعها في مقابلة الجمع أي لم يكن لواحد منهم شفيع أصلا.
وقرأ خارجة عن نافع، وابن سنان عن أبي جعفر، والأنطاكي عن شيبة * (ولم تكن) * بالتاء الفوقية.
* (وكانوا بشركائهم) * أي بإلهيتهم وشركتهم كما يشير إليه العدول عن وكانوا بهم * (كافرين) * حيث يئسوا منهم ووقفوا على كنه أمرهم، * (وكانوا) * للدلالة على الاستمرار لا للمحافظة على رؤوس الفواصل كما توهم.
وقيل: إنها للمضي كما هو الظاهر، والباء في * (بشركائهم) * سببية أي وكانوا في الدنيا كافرين بالله تعالى بسببهم ولم يرتضه بعض الأجلة إذ ليس في الإخبار بذلك فائدة يعتد بها، ولأن المتبادر أن * (يوم تقوم الساعة) * ظرف للإبلاس وما عطف عليه ولذا قيل: إن المناسب عليه جعل الواو حالية ليكون المعنى أنهم لم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم في الدنيا وهو أحسن من جعله معطوفا على مجموع الجملة مع الظرف، مع أنه عليه ينبغي القطع للاحتياط إلا أن يقال: إنه ترك تعويلا على القرينة العقلية، وهو خلاف الظاهر، وكتب * (شفعواء) * في المصحف بواو بعدها ألف وهو خلاف القياس والقياس ترك الواو أو تأخيرها عن الألف لكن الأول أحسن كما ذكر في الرسم، وكذا خولف القياس في كتابه * (السوأى) * حيث كتبت بالألف قبل الياء والقياس كما في " الكشف " الحذف لأن الهمز يكتب على نحو ما يسهل.
* (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) *.
* (ويوم تقوم الساعة) * أعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه وهو ظرف للفعل بعده، وقوله تعالى: * (يومئذ) * على ما ذكره الطبرسي بدل منه.