تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٤
* (وجاءتهم رسلهم بالبين‍ات) * بالمعجزات أو الآيات الواضحات * (فما كان الله ليظلمهم) * أي فكذبوهم فأهلكهم فما كان الله تعالى شأنه ليهلكهم من غير جرم يستدعيه من قبلهم، وفي التعبير عن ذلك بالظلم إظهار لكمال نزاهته تعالى عنه وإلا فقد قال أهل السنة: إن إهلاكه تعالى من غير جرم ليس من الظلم في شيء لأنه عز وجل مالك والمالك يفعل بملكه ما يشاء والنزاع في المسألة شهير * (ول‍اكن كانوا أنفسهم يظلمون) * حيث ارتكبوا باختيارهم من المعاصي ما أوجب بمقتضي الحكمة ذلك، وتقدم * (أنفسهم) * على * (يظلمون) * للفاصلة؛ وجوز أن يكو للحصر بالنسبة إلى الرسل الذين يدعونهم.
* (ثم كان ع‍اقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بااي‍ات الله وكانوا بها يستهزئون) *.
* (ثم كان عاقبة الذين أساؤا) * أي عملوا السيئات، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالإساءة والإشعار بعلة الحكم، و * (ثم) * للتراخي الحقيقي أو للاستبعاد والتفاوت في الرتبة * (السوأى) * أي العقوبة السوأى وهي العقوبة بالنار فإنها تأنيث الأسوأ كالحسنى تأنيث الأحسن أو مصدر كالبشرى وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس السوء، وهي مرفوعة على أنها اسم كان وخبرها * (عاقبة) *.
وقرأ الحرميان. وأبو عمرو * (عاقبة) * بالرفع على أنه اسم كان و * (السوأى) * بالنصب على الخبرية، وقرأ الأعمش. والحسن * (السوي) * بإبدال الهمزة واوا وإدغام الواو فيها، وقرأ ابم مسعود * (السوء) * بالتذكير * (أن كذبوا بآيات الله) * علة للحكم المذكور أي لأن أو بأن كذبوا وهو في الحقيقة مبين لما أشعر به وضع الموصول موضع الضمير لأنه مجمل.
وقوله تعالى: * (وكانوا بها يستهزؤن) * عطف على * (كذبوا) * داخل معه في حكم العلية وإيراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده، وجوز أن يكون * (السوأى) * مفعولا مطلقا لأساؤا من غير لفظه أو مفعولا به له لأن أساؤا بمعنى اقترفوا واكتسبوا، والسوأى بمعنى الخطيئة لأنه صفة أو مصدر مؤول بها وكونه صفة مصدر أساؤا من لفظه أي الإساءة السوأى بعيد لفظا مستدرك معنى، و * (إن كذبوا) * اسم كان، وكون التكذيب عاقبتهم مع أنهم لم يخلوا عنه إما باعتبار استمراره أو باعبار أنه عبارة عن الطبع، وجوز أيضا أن يكون أن كذبوا بدلا من * (السوأى) * الواقع اسما لكان أو عطف بيان لها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي إن كذبوا، وأن تكون * (أن) * تفسيرية بمعنى أي والمفسر إما أساؤا أو * (السوأى) * فإن الإساءة تكون قولية كما تكون فعلية فإذن ما قبلها مضمن معنى القول دون حروفه ويظهر ذلك التضمن بالتفسير، وإذا جاز * (وانطلق الملأ منهم إن أمشوا) * (ص: 6) فهذا أجوز فليس هذا الوجه متكلفا خلافا لأبي حيان. وجوز في قراءة الحرميين. وأبي عمرو أن تكون * (السوأي) * صلة الفعل * (وأن كذبوا) * تابعا له أو خبر مبتدأ محذوف أو على تقدير حرف التعليل وخبر كان محذوفا تقديره وخيمة ونحوه. وتعقب ذلك في " البحر " فقال: هو فهم أعجمي لأن الكلام مستقل في غاية الحسن بلا حذف وقد تكلف له محذوف لا يدل عليه دليل، وأصحابنا لا يجيزون حذف خبر كان.
* (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون) *.
* (الله يبدؤا الخلق) * أي ينشئهم.
وقرأ عبد الله وطلحة * (يبدىء) * بضم الياء وكسر الدار، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر فما بالعهد من قدم.
* (ثم يعيده) * بالبعث * (ثم إليه ترجعون) * للجزاء، وتقديم المعمول للتخصيص، وكان الظاهر يرجعون بياء الغيبة إلا أنه عدل عنه إلى خطاب المشركين لمكافحتهم بالوعيد ومواجهتهم بالتهديد وإيهام إن ذلك مخصوص بهم فهو التفات للمبالغة في الوعيد والترهيب. وقرأ أبو عمرو. وروح * (يرجعون) * بياء الغيبة كما هو الظاهر.
(٢٤)
مفاتيح البحث: الظلم (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»