تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٢
وعيرها الواشون أني أحبها * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها أي يعلمون أمرا زائلا لا بقاء له ولا عاقبة من الحياة الدنيا * (وهم عن الآخرة) * التي هي الغاية القصوى والمطلب الأسني * (هم غافلون) * لا تخطر ببالهم فكيف يتفكرون فيها وفيما يؤدي إلى معرفتها من الدنيا وأحوالها، والجملة معطوفة على * (يعلمون) * وإيرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها، و * (هم) * الثانية تكرير للأولى وتأكيد لفظي لها دافع للتجوز وعدم الشمول، والفصل بمعمول الخبر وإن كان خلاف الظاهر لكن حسنه وقوع الفصل في اللفظ والاعتناء بالآخرة أو هو مبتدأ و * (غافلون) * خبره والجملة خبر * (هم) * الأولى، وجملة * (يعلمون) * الخ بدل من جملة * (لا يعلمون) * على ماذهب إليه " صاحب الكشف " فإن الجاهل الذي لا يعلم أن الله تعالى لا يخلف وعده أو لا يعلم شؤونه تعالى السابقة ولا يتفكر في ذلك هو الذي قصر نظره على ظاهر الحياة الدنيا، والمصحح للبدلية اتحاد ما صدقا عليه، والنكتة المرجحة له جعل علمهم والجهل سواء بحسب الظاهر، وجملة * (وهم عن الآخرة) * الخ مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة السابقة تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالبهائم المقصور إدراكها على ظواهر الدنيا الخسيسة دون أحوالها التي هي من مبادىء العلم بأمور الآخرة. واختار العلامة الطيبي أن جملة * (يعلمون) * الخ استئنافية لبيان موجب جهلهم بأن وعد الله تعالى حق وإن لله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد وأنه جل شأنه ينصر المؤمنين على الكافرين ولعله الأظهر.
* (أولم يتفكروا فىأنفسهم ما خلق الله السم‍اوات والارض وما بينهمآ إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقآء ربهم لك‍افرون) *.
* (أو لم يتفكروا) * إنكار واستقباح لقصر نظرهم على ما ذكر من ظاهر الحياة الدنيا مع الغفلة عن الآخرة، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام، وقوله سبحانه: * (في أنفسهم) * ظرف للتفكر، وذكره مع أن التفكر لا يكون إلا في النفس لتحقيق أمره وزيادة تصوير حال المتفكرين كما في اعتقده في قلبك وأبصره بعينك، وقوله عز وجل: * (ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) * متعلق إما بالعلم الذي يؤدي إليه التفكر ويدل عليه أو بالقول الذي يترتب عليه كما في قوله تعالى: * (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) أي اعلموا ظاهر الحياة الدنيا فقط أو أقصروا النظر على ذلك ولم يحدثوا التفكر في قلوبهم فيعلموا أنه تعالى ما خلق السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات التي هم من جملتها ملتبسة بشيء من الأشياء إلا ملتبسة بالحق أو يقولوا هذا القول معترفين بمضمونه إثر ما علموه، والمراد بالحق هو الثابت الذي يحق أن يثبت لا محالة لابتنائه على الحكم البالغة التي من جملتها استشهاد المكلفين بذواتها وصفاتها وأحوالها على وجود صانعها ووحدته وعلمه وقدرته واختصاصه بالمعبودية وصحة أخباره التي من جملتها إحياؤهم بعد الفناء بالحياة الأبدية ومجازاتهم بحسب أعمالهم عما يتبين المحسن من المسيء ويمتاز درجات أفراد كل من الفريقين حسب امتياز طبقات علومهم واعتقاداتهم المترتبة على أنظارهم فيما نصب في المصنوعات من الآيات والدلائل والإمارات والمخايل كما نطق به قوله تعالى: * (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (هود: 7) فإن العمل غير مختص بعمل الجوارح ولذلك فسره عليه الصلاة والسلام بقوله: أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله تعالى وأسرع في طاعة الله عز وجل.
وقوله سبحانه: * (وأجل مسمى) * عطف على الحق أي وبأجل عين قدره الله تعالى لبقائها لا بد لها من أن
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»