تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٦
وفي " البحر " التنوين في * (يومئذ) * تنوين عوض من الجملة المحذوفة أي ويوم تقوم الساعة يوم إذ يبلس المجرمون * (يتفرقون) * وظاهره أن * (يومئذ) * ظرف لتقوم، ولا يخفى ما في جعل الجملة المعوض عنها التنوين حينئذ ما ذكره من النظر.
وفي إرشاد العقل السليم أن قوله تعالى: * (يومئذ يتفرقون) * تهويل ليوم قيام الساعة إثر تهويل وفيه رمز إلى أن التفرق يقع في بعض منه، وفي وجه الرمز إلى ذلك بما ذكر خفاء، وضمير * (يتفرقون) * للمسلمين والكافرين الدال عليهما ما قبل من عموم الخلق وما بعد من التفصيل، وذهب إلى ذلك الزمخشري. وجماعة.
وقال في الإرشاد: هو لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من مبدئهم ومرجعهم وإعادتهم لا المجرمون خاصة، وقال أبو حيان: يظهر أنه عائد على الخلق قبله وهو المذكور في قوله تعالى: * (الله يبدأ الخلق ثم يعيده) * والمراد بتفرقهم اختلافهم في المحال والأحوال كما يؤذن به التفصيل، وليس ذلك باعتبار كل فرد بل باعتبار كل فريق، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال في ذلك هؤلاء في عليين وهؤلاء في أسفل سافلين، والتفصيل يؤذن بذلك أيضا، وهذا التفرق بعد تمام الحساب.
* (فأما الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات فهم فى روضة يحبرون) *.
* (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحت فهم في روضه يحبرون) * الروضة الأرض ذات النبات والماء، وفي المثل أحسن من بيضة في روضة يريدون بيضة النعامة، وباعتبار الماء قيل: أراض الوادي واستراض أي كثر ماؤه وأراضهم أرواهم بعض الري من أراض الحوض إذا صب فيه من الماء ما يوارى أرضه، ويقال: شربوا حتى أراضوا أي شربوا عللا بعد نهل. وقيل: معنى أراضوا صبوا اللبن على اللبن، وظاهر تفسير الكثير للروضة اعتبار النبات والماء فيها، وأظن أن ابن قتيبة صرح بأنه لا يقال لأرض ذات نبات بلا ماء روضة.
وقيل: هي البستان الحسن، وقيل: موضع الخضرة، وقال الخفاجي: الروضة البستان وتخصيصها بذات الأنهار بناء على العرف، وأيا ما كان فتنوينها هنا للتفخيم والمراد بها الجنة، والحبر السرور يقال: حبره يحبره بالضم حبرا وحبرة وحبورا إذا سره سرورا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره، وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة، وحكى الكسائي حبرته أكرمته ونعمته، وقيل: الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين، ويقال: فلان حسن الحبر والسبر بالفتح إذا كان جميلا حسن الهيئة، واختلفت الأقوال في تفسيره هنا فأخرج ابن جرير. وابن المنذر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن الضحاك أنهما قالا: يحبرون يكرمون.
وأخرج جماعة عن مجاهد يحبرون ينعمون، وقال أبو بكر ابن عياش: يتوجون على رؤوسهم.
وقال ابن كيسان: يحلون، وقال الأوزاعي. ووكيع. ويحيى بن أبي كثير: يسمعون الأغاني، وأخرج عبد بن حميد عن الأخير أنه قال: قيل: يا رسول الله ما الحبر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: اللذة والسماع.
وذكر بعضهم أن الظاهر يسرون ولم يذكر ما يسرون به إيذانا بكثرة المسار وما جاء في الخبر فمن باب الاقتصار على البعض، ولعل السائل كان يحب السماع فذكره صلى الله عليه وسلم له لذلك، والتعبير بالمضارع للإيذان بتجدد السرور لهم ففي كل ساعة يأتيهم ما يسرون به من متجددات الملاذ وأنواعها المختلفة.
* (وأما الذين كفروا وكذبوا بااي‍اتنا ولقآء الاخرة فأول‍ائك فى العذاب محضرون) *.
* (وأما الذين كعفروا وكذبوا بآي‍اتنا) * التي من جملتها الآيات الناطقة بما فصل * (ولقاء الآخرة) * أي وكذبوا بالبعث، وصرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات للاعتناء به، وقوله تعالى: * (فأول‍ائك) *
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»