تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٤
* (ويتخطف الناس من حولهم) * يختلسون من حولهم قتلا وسبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب، والظاهر أن الجملة حالية بتقدير مبتدأ أي وهم يتخطف الخ * (أفبالباطل يؤمنون) * أن أبعد ظهور الحق الذي لا ريب فيه أو أبعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها بالصنم، وقيل: بالشيطان يؤمنون * (وبنعمة الله يكفرون) * وهي المستوجبة للشكر حيث يشركون به تعالى غيره سبحانه، وتقديم الصلة في الموضعين للاهتمام بها لأنها مصب الإنكار أو للاختصاص على طريق المبالغة لأن الإيمان إذا لم يكن خاصا لا يعتد به ولأن كفران غير نعمته عز وجل بجنب كفرانها لا يعد كفرانا.
وقرأ السلمي. والحسن * (تؤمنون وتكفرون) * بتاء الخطاب فيهما.
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جآءه أليس فى جهنم مثوى للك‍افرين) *.
* (ومن أظلم ممن افترى علعى الله كذبا) * بأن زعم أن له سبحانه شريكا وكونه كذبا على الله تعالى لأنه في حقه فهو كقولك: كذب على زيد إذا وصفه بما ليس فيه * (أو كذب بالحق) * يعني الرسول أو الكتاب * (لما جاءه) * أي حين مجيئه إياه، وفيه تسفيه لهم حيث لم يتأملوا ولم يتوقفوا حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه.
* (أليس في جهنم مثوى للكافرين) * أي ثواء وإقامة لهم أو مكان يثوون فيه ويقيمون، والكلام على كلا الوجهين تقرير لثوائهم في جهنم لأن الاستفهام فيه معنى النفي وقد دخل على نفي ونفي النفي إثبات كما في قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا * واندى العالمين بطون راح أي ألا يستوجبون الثواء أو المكان الذي يثوى فيه فيها وقد افتروا مثل هذا الكذب على الله تعالى وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على ما ذكر من الافتراء والتكذيب مع علمهم بحال الكفرة أي ألم يعلموا أن في جهنم مثوى للكافرين حتى اجترؤا هذه الجرأة، وجعلهم عالمين بذلك لوضوحه وظهوره فنزلوا منزلة العالم به، والتعريف في * (الكافرين) * على الأول: للعهد فالمراد بهم أولئك المحدث عنهم وهم أهل مكة، وأقيم الظاهر مقام الضمير لتعليل استيجابهم المثوى، ولا ينافي كون ظاهره أن العلة افتراؤهم وتكذيبهم لأنه لا يغايره والتعليل يقبل التعدد، وعلى الثاني: للجنس فالمراد مطلق جنس الكفرة ويدخل أولئك فيه دخولا أوليا برهانيا.
* (والذين ج‍اهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) *.
* (والذين جاهدوا فينا) * في شأننا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا ففيه مضاف مقدر، وقيل: لا حاجة إلى التقدير بحمل الكلام على المبالغة بجعل ذات الله سبحانه مستقر للمجاهدة وأطلقت المجاهدة لتعم مجاهدة الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعهما * (لنهدينهم سبلنا) * سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا، والمراد نزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقا لسلوكها فإن الجهاد هداية أو مرتب عليها، وقد قال تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * وفي الحديث " من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم ".
ومن الناس من أول * (جاهدوا) * بأرادوا الجهاد وأبقى * (لنهدينهم) * على ظاهره، وقال السدي: المعنى والذين جاهدوا بالثبات على الإيمان لنهدينهم سبلنا إلى الجنة، وقيل: المعنى والذين جاهدوا في الغزو لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة، وما ذكر أولا أولى، والموصول مبتدأ وجملة القسم وجوابه خبره نظير ما مر من قوله: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا) * (العنكبوت: 58).
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»