تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٣٦
وقال ابن جبير: * (قانتون) * مخلصون، وقيل: مقرون بالعبودية، وعليهما ليس العموم على ظاهره.
* (وهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى فى السم‍اوات والارض وهو العزيز الحكيم) *.
* (وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده) * بعد الموت؛ والتكرير لزيادة التقرير لشدة إنكارهم البعث والتمهيد لما بعده من قوله تعالى: * (وهو أهون عليه) * الضمير المرفوع للإعادة وتذكيره لرعاية الخبر أو لأنها مؤولة بأن والفعل وهو في حكم المصدر المذكر أو لتأويلها بالبعث ونحوه، وكونه راجعا إلى مصدر مفهوم من * (يعيد) * وهو لم يذكر بلفظ الإعادة لا يفيد على ما قيل لأنه اشتهر به فكأنه إذا فهم منه يلاحظ فيه خصوص لفظه والضمير المجرور لله تعالى شأنه، و * (أهون) * للتفضيل أي والإعادة أسهل على الله تعالى من المبدأ، والأسهلية على طريقة التمثيل بالنسبة لما يفعله البشر مما يقدرون عليه، فإن إعادة شيء من مادته الأولى أهون عليهم من إيجاده ابتداء، والمراد التقريب لعقول الجهلة المنكرين للبعث وإلا فكل الممكنات بالنسبة إلى قدرته تعالى عز وجل سواء فكأنه قيل: وهو أهون عليه بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم.
وذكر الزمخشري وجها آخر للتفضيل وهو أن الإنشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بد من فعله لأنها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب والأفعال إما محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور، وإما ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح وهو رديف المحال لأن الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنع الإحالة، وأما تفضل والتفضل حاله بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله، وأما واجب لا بد من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به فكان الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول فلما كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع وإذا كانت أبعدها منه كانت أدخلها في التأتي والتسهل فكانت أهون منها وإذا كانت كذلك كانت أهون من الإنشاء اه‍. قال في " التقريب ": وفيه نظر لأنه مبني على الوجوب العقلي ولأن الوجوب إذا كان بالذات نافي القدرة كالامتناع وإلا كان ممكنا فتساوي الفعلان لاشتراكهما في مصحح المقدورية وهو الإمكان.
وتعقبه في " الكشف " بقوله أقول: إنه غير واجب بالذات ولا يلزم منه المساواة مع التفضل في سهولة التأتي وأما المساواة في مصحح المقدورية فلا مدخل لها فيما نحن فيه، والحاصل منه أنه لو سلم منه أن الداعي إلى فعله أقوى فلا شك أنه أقرب إلى الوجود مما لا يكون الداعي كذلك. نعم إذا خلص الداعي إلى القسمين صارا سواء، وليس البحث على ذلك التقدير اه‍.
والحق ما قاله أبو السعود من أنه ليس المراد بأهونية الفعل أقربيته إلى الوجود باعتبار كثرة الأمور الداعية للفاعل إلى إيجاده وقوة اقتضائها لتعلق قدرته به بل أسهلية تأتيه وصدوره عنه عند تعلق قدرته بوجوده وكونه واجبا بالغير، ولا تفاوت في ذلك بين أن يكون ذلك التعلق بطريق الإيجاب أو بطريق الاختيار. وروى الزجاج عن أبي عبيدة وكثير من أهل اللغة أن * (أهون) * ههنا بمعنى هين، وروى ذلك عن ابن عباس. والربيع، وكذا هو في مصحف عبد الله، وهذا كما يقال: الله تعالى أكبر أي كبير وأنت أوحد الناس أي واحدهم وإني لأوجل أي وجل. وفي " الكشف " التحقيق أنه من باب الزيادة المطلقة، وإنما قيل بمعنى إلهين لأنه يؤدي مؤداه، وقيل: أفعل على ظاهره وضمير عليه عائد على الخلق على معنى أن الإعادة أيسر على المخلوق لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانا والإعادة لا تحتاج إلى التدريجات في الأطوار إنما يدعوه الله تعالى فيخرج.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»