تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٨
ذكر الوعد والوعيد وتفريعه عليه بالفاء في معنى الأمر به على أبلغ وجه على ما صرح به بعض الأجلة فكأنه حينئذ قد قيل: فسبحوا الله تعالى تسبيحه اللائق به سبحانه في هذه الأوقات واحمدوه، وظاهر كلام الأكثرين أن جملة * (له الحمد) * الخ معطوفة على الجملة التي قبلها وأن * (عشيا) * معطوف على * (حين تمسون) * بل هم صرحوا بهذا، وعلى ما ذكر يكون جملة * (له الحمد) * فاصلة بين المعطوف والمعطوف عليه، وما أشبه الآية حينئذ بآية الوضوء على ما ذهب إليه أهل السنة. وفي " الكشاف " أن * (عشيا) * متصل بقوله تعالى: * (حين تمسون) * وقوله تعالى: * (وله الحمد) * الخ اعتراض بينهما، ومعناه أن على المميزين كلهم من أهل السموات والأرض أن يحمدوه.
وإلى كون الجملة معترضة ذهب أبو البقاء أيضا، وجعل قوله تعالى: * (في السموات) * حالا من الحمد، وفي جواز مجىء الحال منه على احتمال كونه مبتدأ وهو الظاهر خلاف، ولعل من لا يجوز ذلك يجعل الجار متعلقا بالثبوت الذي تقتضيه النسبة، والمراد بالتسبيح والحمد ظاهرهما على ما ذهب إليه جمع من الأجلة، وقيل: المراد بالتسبيح الصلاة. وأخرج عبد الرزاق. والفريابي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. والحاكم وصححه عن أبي رزين قال: جاء نافع بن الأرزق إلى ابن عباس فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم فقرأ * (فسبحان الله حين تمسون) * صلاة المغرب * (وحين تصبحون) * (الروم: 17) صلاة الصبح * (وعشيا) * صلاة العصر * (وحين تظهرون) * صلاة الظهر، وقرأ * (ومن بعد صلاة العشاء) * وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر عنه قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة * (فسبحان الله حين تمسون) * المغرب والعشاء * (وحين تصبحون) * الفجر * (وعشيا) * العصر * (وحين تظهرون) * الظهر، وذهب الحسن إلى ذلك حتى أنه ذهب إلى أن الآية مدنية لما أنه يرى فرضية الخمس بالمدينة وأنه كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقت الصلاة فيه، والصحيح أنها فرضت بمكة ويدل عليه حديث المعراج دلالة بينة.
واختار الإمام الرازي حمل التسبيح على التنزيه فقال: إنه أقوى والمصير إليه أولى لأنه يتضمن الصلاة وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك وهو الذكر الحسن وبالأركان معهما جميعا وهو العمل الصالح، والأول هو الأصل والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئا ظهر من قلبه على لسانه وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحوال أفعاله واللسان ترجمان الجنان والأركان برهان اللسان لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان فهو تنزيه في التحقيق، فإذا قال سبحانه نزهوني وهذا نوع من أنواع التنزيه والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون هذا أمرا بالصلاة، ثم إن قولنا يناسبه ما تقدم وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال عز وجل: * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) * (الروم: 15) قال سبحانه: إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان والعمل الصالح استعمال الأركان فالكل تنزيهات وتحميدات فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض والحضور على الحياض اه‍، وأنا بالإمام أقتدي في دعوى أولوية الحمل على الظاهر، واختار أيضا أن قوله تعالى: * (له الحمد) * اعتراض مؤكد بين المعطوف والمعطوف عليه مطلقا ومعناه على ما سمعت عن الكشاف أن على المميزين كلهم أن يحمدوه فإن حمل التسبيح على الصلاة فهو كلام يؤكد الوجوب لأن الحمد يتجوز به عن الصلاة كالتسبيح، ووجه التأكيد دلالته على
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»