تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٢٦
الطبراني. وأبو نعيم. وابن منده ونسبته إليه عز وجل في قوله سبحانه: * (الله يتوفى الأنفس) * (الزمر: 42) باعتبار أن أفعال العباد كلها مخلوقة له جل وعلا لا مدخل للعباد فيها بسوى الكسب كما يقوله الأشاعرة أو باعتبار أن ذلك بإذنه تعالى ومشيئته جل شأنه ونسبته إلى الرسل في قوله تعالى: * (توفته رسلنا) * (الأنعام: 61) وإلى الملائكة في قوله سبحانه: * (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * (النحل: 28) لما أن ملك الموت لا يستقل به بل له أعوان كما جاء في الآثار يعالجون نزع الروح حتى إذا قرب خروجها قبضها ملك الموت، وقيل: المراد بملك الموت الجنس، وقال بعضهم: إن بعض الناس يتوفاهم ملك الموت وبعضهم يتوفاهم الله عز وجل بنفسه، أخرج ابن ماجه عن أبي أمامة قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى وكل ملك الموت عليه السلام بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه سبحانه يتولى قبض أرواحهم.
وجاء ذلك أيضا في خبر آخر يفيد أن ملك الموت للإنس غير ملك الموت للجن والشياطين وما لا يعقل. أخرج ابن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: وكل ملك الموت عليه السلام بقبض أرواح المؤمنين فهو الذي يلي قبض أرواحهم وملك في الجن وملك في الشياطين وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل فهم أربعة أملاك والملائكة يموتون في الصعقة الأولى وأن ملك الموت يلي قبض أرواحهم ثم يموت وأما الشهداء في " البحر " فإن الله تعالى يلي قبض أرواحهم لا يكل ذلك إلى ملك الموت بكرامتهم عليه سبحانه.
والذي ذهب إليه الجمهور أن ملك الموت لمن يعقل وما لا يعقل من الحيوان واحد وهو عزرائيل ومعناه عبد الله فيما قيل نعم له أعوان كما ذكرنا، وخبر الضحاك عن ابن عباس الله تعالى أعلم بصحته * (ثم إلى ربكم ترجعون) * بالبعث للحساب والجزاء. ومناسبة هذه الآية لما قبلها على ما ذكرنا في توجيه الإضراب ظاهرة لأنهم لما جحدوا لقاء ملائكة ربهم عند الموت وما يكون بعده ذكر لهم حديث توفي ملك الموت إياهم إيماء إلى أنهم سيلاقونه وحديث الرجوع إلى الله تعالى بالبعث للحساب والجزاء، وأما على ما قيل فوجه المناسبة أنهم لما أنكروا البعث والمعاد رد عليهم بما ذكر لتضمن قوله تعالى: * (ثم إلى ربكم ترجعون) * البعث وزيادة ذكر توفي ملك الموت إياهم وكونه موكلا بهم لتوقف البعث على وفاتهم ولتهديدهم وتخويفهم وللإشارة إلى أن القادر على الإماتة قادر على الإحياء، وقيل: إن ذلك لرد ما يشعر به كلامهم من أن الموت بمقتضى الطبيعة حيث أسندوه إلى أنفسهم في قولهم: * (أئذا ضللنا في الأرض) * (السجدة: 10) فليس عندهم بفعل الله تعالى ومباشرة ملائكته، ولا يخفى بعده. وأبعد منه ما قيل في المناسبة: إن عزرائيل وهو عبد من عبيده تعالى إذا قدر على تخليص الروح من البدن مع سريانها فيه سريان ماء الورد في الورد والنار في الجمر فكيف لا يقدر خالق القوى والقدر جل شأنه على تمييز أجزائهم المختلطة بالتراب وكيف يستبعد البعث مع القدرة الكاملة له عز وجل لما أن ذلك السريان مما خفى على العقلاء حتى أنكره بعضهم فكيف بجهلة المشركين فتأمل. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (ترجعون) * بالبناء للفاعل.
* (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل ص‍الحا إنا موقنون) *.
* (ولو ترى إذ المجرمون) * وهم القائلون: * (إئذا ضللنا في الأرض) * أو جنس المجرمين وهم من جملتهم * (ناكسوا رءوسهم) * مطرقوها من الحياء والخزي * (عند ربهم) * حين حسابهم لمايظهر من قبائحهم التي اقترفوها في الدنيا. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (نكسوا رؤوسهم) * فعلا ماضيا ومفعولا * (ربنا) * بتقدير القول الواقع حالا والعامل فيه * (ناكسوا) * أي يقولون ربنا الخ وهو أولى من تقدير يستغيثون بقولهم: ربنا
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»