تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٤٣
عاما ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلثمائة سنة فيكون عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة، وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان عمر نوح عليه السلام قبل أن يبعث إلى قومه وبعدما بعث ألفا وسبعمائة سنة، وعن وهب أنه عليه السلام عاش ألفا وأربعمائة سنة، وفي " جامع الأصول " كانت مدة نبوته تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الغرق خمسين سنة، وقيل: مائتي سنة وكانت مدة الطوفان ستة أشهر آخرها يوم عاشوراء.
وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون ما ذكر الله عز وجل مدة إقامته عليه السلام من لدن مولده إلى غرق قومه، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك جميع عمره عليه السلام، ولا يخفى أن المتبادر من الفاء التعقيبية ما تقدم، وجاء في بعض الآثار أنه عليه السلام أطول الأنبياء عليهم السلام عمرا، أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا عن أنس بن مالك قال: جاء ملك الموت إلى نوح عليهما السلام فقال: يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتا له بابان فقال وسط الباب هنيهة ثم خرج من الباب الآخر، ولعل ما عليه النظم الكريم في بيان مدة لبثه عليه السلام للدلالة على كمال العدد وكونه متعينا نصا دون تجوز فإن تسعمائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه ولما في ذكر الألف من تخييل طول المدة لأنها أول ما تقرع السمع فإن المقصود من القصة تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيته على ما كان عليه من مكابدة ما يناله من الكفرة وإظهار ركاكة رأي الذين يحسبون أنهم يتركون بلا ابتلاء، واختلاف المميزين لما في التكرير في مثل هذا الكلام من البشاعة، والنكتة في اختيار السنة أولا أنها تطلق على الشدة والجدب بخلاف العام فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة الذي قاسى عليه السلام فيه ما قاسي من قومه * (فأخذهم الطوفان) * أي عقيب تمام المدة المذكورة، والطوفان قد يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام قال العجاج: حتى إذا ما يومها تصبصبا * وغم طوفان الظلام إلا ثأبا وقد غلب على طوفان الماء وهو المراد هنا * (وهم ظ‍المون) * أي والحال هم مستمرون على الظلم لم يتأثروا بما سمعوا من نوح عليه السلام من الآيات ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة المتمادية.
* (فأنجين‍اه وأصح‍ابالسفينة وجعلن‍اهآ ءاية للع‍المين) * * (فأنجيناه) * أي نوحا عليه السلام * (وأصحاب السفينة) * أي من ركب فيها معه من أولاده وأتباعه، وكانوا ثمانين، وقيل: ثمانين وسبعين نصفهم ذكور ونصفهم إناث منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم، وعن محمد ابن إسحق كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة، وروى مرفوعا كانوا ثمانين نوح وأهله وبنوه الثلاثة أي مع أهليهم * (وجعلناها) * أي السفينة * (ءاية للعالمين) * عبرة وعظة لهم لبقائها زمانا طويلا على الجودي يشاهدها المارة ولاشتهارها فيما بين الناس، ويجوز كون الضمير للحادثة والقصة المفهومة مما قبل وهي عبرة للعالمين لاشتهارها فيما بينهم.
* (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * * (وإبراهيم) * نصب بإضمار اذكر معطوفا على ما قبله عطف القصة على القصة فلا ضير في اختلافهما خبرا وإنشاءا وإذ في قوله تعالى: * (إذ قال لقومه) * بدل اشتمال منه لأن الأحيان تشتمل على ما فيها، وقد جوز ذلك الزمخشري. وابن عطية، وتعقب ذلك أبو حيان بأن إذ لا تتصرف فلا تكون مفعولا به والبدلية تقتضي ذلك. ثم ذكر أن إذ إن كانت ظرفا لما مضى لا يصح أن تكون معمولة لا ذكر لأن المستقبل
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»