تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٢
وقال سفيان الثوري: وجهه تعالى العمل الصالح الذي توجه به إليه عز وجل، فقيل: في توجيه الاستثناء إن العمل المذكور قد كان في حيز العدم فلما فعله العبد ممتثلا أمره تعالى أبقاه جل شأنه له إلى أن يجازيه عليه أو أنه بالقبول صار غير قابل للفناء لما أن الجزاء عليه قام مقامه وهو باق، وروي عن أبي عبد الله الرضا رضي الله تعالى عنه أنه ارتضى نحو ذلك، وقال المعنى كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به وجهه تعالى، وزعم الخفاجي أن هذا كلام ظاهري.
وقال أبو عبيدة: المراد بالوجه جاهه تعالى الذي جعله في الناس وهو كما ترى لا وجه له، والسلف يقولون الوجه صفة نثبتها لله تعالى ولا نشتغل بكيفيتها ولا بتأويلها بعد تنزيهه عز وجل عن الجارحة * (له الحكم) * أي القضاء النافذ في الخلق * (وإليه) * عز وجل * (ترجعون) * عند البعث للجزاء بالحق والعدل لا إلى غيره تعالى ورجوع العباد إليه تعالى عند الصوفية أهل الوحدة بمعنى ما وراء طور العقل.
وقيل: ضمير إليه للحكم، وقرأ عيسى * (ترجعون) * مبنيا للفاعل، هذا والكلام من باب الإشارة في آيات هذه السورة أكثره فيما وقفنا عليه من باب تطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس ولعله يعلم بأدنى تأمل فيما مر بنا في نظائرها فتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل وهو جل وعلا حسبنا ونعم الوكيل.
سورة العنكبوت أخرج ابن الضريس. والنحاس. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت بمكة، وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحو ذلك، وروي القول بأنها مكية عن الحسن وجابر. وعكرمة؛ وعن بعضهم أنها آخر ما نزل بمكة. وفي " البحر " عن الحبر. وقتادة أنها مدنية، وقال يحيى بن سلام: هي مكية إلا من أولها إلى قوله: * (وليعلمن المنافقين) * (العنكبوت: 11) وذكر ذلك الجلال السيوطي في " الإتقان " ولم يعزه، وأنه لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها ثم قال: قلت ويضم إلى ذلك * (وكأين من دابة) * (العنكبوت: 60) الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك وهي تسع وستون آية بالإجماع كما قال الداني والطبرسي، وذكر الجلال في وجه اتصالها بما قبلها أنه تعالى أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه * (علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم) * (القصص: 4) وافتتح هذه بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الإيمان بعذاب دون ما عذب به فرعون بني إسرائيل بكثير تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم وحثا على الصبر، ولذا قيل هنا: * (ولقد فتنا الذين من قبلهم) * (العنكبوت: 3) وأيضا لما كان في خاتمة الأولى الإشارة إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم أي في قوله تعالى: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) * (القصص: 85) على بعض الأقوال، وفي خاتمة هذه الإشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله تعالى: * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة) * (العنكبوت: 56) ناسب تتاليهما.
* (ال - م) * * (الم) * سبق الكلام فيه وفي نظائره ولم يجوز بعضهم هنا ارتباط ما بعده به ارتباطا أعرابيا لأن الاستفهام مانع منه وبحث فيه بأن اللازم في الاستفهام تصدره في جملته وهو لا ينافي وقوع
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»