تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٩
بأن ما لا يعلم صحته ولو إجمالا كما في التقليد لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فكيف بما علم على أتم وجه بطلانه، وجعل العلامة الطيبي نفي العلم كناية عن نفي المعلوم، وعلل ذلك بأن هذا الأسلوب يستعمل غالبا في حق الله تعالى نحو أتعلمون الله بما لا يعلم ثم قال: وفيه إشارة إلى أن نفي الشرك من العلوم الضرورية وأن الفطرة السليمة مجبولة عليه على ما ورد " كل مولود يولد على الفطرة " وذلك أن المخاطب بقوله تعالى: * (ووصينا الإنسان) * (العنكبوت: 8) جنس الإنسان انتهى، وفيه بحث. ومتعلق تطعهما محذوف لوضوح دلالة الكلام عليه أي وإن استفرغا جهدهما في تكليفك لتشرك بي غيري مما لا إلهية له فلا تطعهما في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وفي تعليق النهي عن طاعتهما بمجاهدتهما في التكليف إشعار بأن موجب النهي فيما دونها من التكليف ثابت بطريق الأولوية وكذا موجبه في مجاهدة أحدهما * (إلي مرجعكم) * أي مرجع من آمن منكم - ومن أشرك - ومن بر - ومن عق والجملة مقررة لما قبلها ولذا لم تعطف * (فأنبئكم بما كنتم تعملون) * بأن أجازي كلا منكم بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص، وذلك أنه رضي الله تعالى عنه حين أسلم قالت أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس: يا سعد بلغني أنك صبأت فوالله تعالى لا يظلني سقف بيت من الضح والريح وأن الطعام والشراب علي حرام حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد وبقيت ثلاثة أيام كذلك فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والتي في الأحقاف فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان.
وروى أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وذلك أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما متوافقين حتى نزلا المدينة فخرج أبو جعل بن هشام والحرث بن هشام أخواه لأمه أسماء بنت مخرمة امرأة من بني تميم من بني حنظلة فنزلا بعياش وقالا له: إن من دين محمد صلة الأرحام وبر الوالدين وقد تركت أمك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوى بيتا حتى تراك وهي أشد حبا لك منا فأخرج معنا وفتلا منه في الذروة والغارب فاستشار عمر رضي الله تعالى عنه فقال هما يخدعانك ولك على أن أقسم مالي بيني وبينك فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر رضي الله تعالى عنه فقال عمر رضي الله تعالى عنه: أما إذا عصيتني فخذ ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهم ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهم ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد كلت فاحملني معك، قال: نعم. فنزل ليوطىء لنفسه وله فأخذاه فشداه وثاقا وجلده كل واحد مائة جلدة وذهبا به إلى أمه، فقالت: لا تزال بعذاب حتى ترجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت.
* (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لندخلنهم فى الص‍الحين) * * (والذين آمنوا وعملوا الص‍الحات لندخلنهم في الص‍الحين) * أي في زمرة الراسخين في الصلاح الكاملين فيه، والصلاح ضد الفساد وهو جامع لكل خير، وله مراتب غير متناهية ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا طلبها الأنبياء عليهم السلام كما قال سليمان عليه السلام * (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) * (النمل: 19) ويحامل أن يكن الكلام بتقدير مضاف أي في مدخل الصالحين وهي الجنة، والموصول مبتدأ ولندخلنهم الخبر على ما ذكره أبو البقاء، وجوز أن يكون في موضع نصب على تقدير لندخلن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم.
* (ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذآ أوذى فى الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جآء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما فى صدور الع‍المين) * * (ومن الناس) * أي بعضهم * (من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله) * أي لأجله عز وجل على أن في للسببية، أو المراد في سبيل الله تعالى بأن عذبهم المشركون على الايمان به تعالى: * (جعل فتنة الناس) * أي
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»