بها إلى الثواب، والمعنى على ما قلنا أولا امضوا في الأرض وسيحوا فيها.
* (قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الاخرة إن الله على كل شىء قدير) * * (فانظروا كيف بدأ) * الله تعالى * (الخلق) * أي كيف خلقهم ابتداء على أطوار مختلفة وطبائع متغايرة وأخلاق شتى، فإن ترتيب النظر على السير في الأرض مؤذن بتتبع أحوال أصناف الخلق القاطنين في أقطارها، وعلى هذا تتغاير الكيفية في الآية السابقة والكيفية في هذه الآية لما أن الأولى كما علمت باعتبار المادة وعدمها وهذه باعتبار تغاير الأحوال. ولعل التعبير في الآية الأولى بالمضارع أعني * (يبدأ) * دون الماضي كما هنا لاستحضار الصورة الماضية لما أن بدء الخلق من مادة وغيرها أغرب من بدء الخلق على أطوار مختلفة على معنى أن خلق الأشياء أغرب من جعل أطوارها مختلفة، وأنت إذا لاحظت أطوارها مختلفة إنما هو بعد سبق المادة ولو سبقا ذاتيا وهو ما قام به الاختلاف أعني ذوات الأشياء لا تشك في أن الأول أغرب من الثاني، ولذا ترى التمدح بأصل الخلق في القرآن العظيم أكثر من التمدح بالجعل المذكور. وقد وافق الصيغة في الإشعار بالغرابة بناء الفعل من باب الأفعال فإنه غير مستعمل ولذا قالوا: أنه مخل بالفصاحة لولا وقوعه مع * (يعيد) *، ومما يقرب من هذا السر ما قيل في وجه حذف الياء من يسر في قوله تعالى: * (والليل إذا يسر) * من أن ذلك لأن الليل يسري فيه لا يسري أي ليدل مخالفة الظاهر في اللفظ على مخالفته في المعنى وهو معنى دقيق.
وقيل في وجه التعبير بما ذكر إفادة الاستمرار التجددي وهو بناء على المعنى الثاني في الآية. وقال بعضهم في تغاير الدليلين: إن هذا عيني وذلك علمي أو هذا آفاقي والأول أنفسي. وقرأ الزهري * (كيف بدا الخلق) * بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفا ثم حذفها في الوصل. قال أبو حيان: وهو تخفيف غير قياسي كما قال:
فارعي فزارة لا هناك المرتع، وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين * (ثم الله ينشىء النشأة الآخرة) * أي بعد النشأة الأولى التي شاهدتموها والنشأة الإيجاد والخلق، والتعبير عن الإعادة التي هي محل النزاع بالنشأة الآخرة المشعرة بكون البدء نشأة أولى للتنبيه على أنهما شأن واحد من شؤون الله تعالى حقيقة واسما من حيث أن كلا منهما اختراع وإخراج من العدم إلى الوجود ولا فرق بينهما إلا بالأولية والأخروية كذا قيل. والظاهر أنه مبني على أن الجسد يعدم الكلية ثم يعاد خلقا جديدا لا أنه تتفرق أجزاؤه ثم تجمع بعد تفرقها وإلى كل ذهب بعض، والأدلة متعارضة، والمسألة كما قال ابن الهمام عند المحققين ظنية. وفي كتاب الاقتصاد في الاعتقاد لحجة الإسلام الغزالي. فإن قيل: فما تقولون أتعدم الجواهر والأعراض ثم تعادان جميعا أو تعدم الأعراض دون الجواهر وإنما تعاد الأعراض؟ قلنا: كل ذلك ممكن ولكن ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات انتهى، وذهب ابن الهمام إلى أن الحق وقوع الكيفيتين إعادة ما انعدم بعينه وتأليف ما تفرق من الأجزاء، وقد يقال: إن بدء الإنسان ونحوه ليس اختراعا محضا وإخراجا من كتم العدم إلى الوجود في الحقيقة لما أنه مخلوق من التراب وسائر العناصر، والظاهر أن فناءه ليس عبارة عن صيرورته عدما محضا بل هو عبارة عن انحلاله إلى ما تركب منه ورجوع كل عنصر إلى عنصره. نعم لا شك في فناء بعض الأعراض وانعدامها بالكلية، وقد يستثنى منه بعض الأجزاء فلا ينحل إلى ما منه التركيب بل يبقى على ما كان عليه وهو عجب الذنب لظاهر حديث الصحيحين " ليس شيء من الإنسان لا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب منه