تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٤
وقيل: أي في دعوى استقباح ذلك الناطق بها كلامك. وهذا الجواب صدر عنهم في المرة الأولى من مرات مواعظ لوط عليه السلام، وما في سورة الأعراف المذكورة في قوله تعالى: * (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم) * (الأعراف: 82) الآية وما في سورة النمل المذكور في قوله تعالى: * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم) * (النمل: 56) الآية فقد صدر عنهم بعد هذه المرة فلا منافاة بين الحصر هنا والحصر هناك، قاله أبو حيان وتبعه أبو السعود. وتعقب بأن هذا التعيين يحتاج إلى توقيف. وأجيب بأن مضموني الجوابين يشعران بالتقدم والتأخر، وذلك أن * (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) * (العنكبوت: 29) من باب التكذيب والسخرية وهو أوفق بأوائل المواعظ والتوبيخات و * (أخرجوهم من قريتكم) * (الأعراف: 82) ونحوه من باب التعذيب والانتقام، وهو أنسب بأن يكون بعد تكرر الوعظ والتوبيخ الموجب لضجرهم ومزيد تألمهم مع قدرتهم على التشفي، وهذا القدر يكفي لدعوى التقدم والتأخر، وقيل في دفع المنافاة بين الحصرين: إن ما هنا جواب قومه عليه السلام له إذ نصحهم، وما هناك جواب بعضهم لبعض إذ تشاوروا في أمره، وقيل: إن أحد الجوابين صدر عن كبار قومه وأمرائهم والآخر صدر عن غيرهم، وظاهر صنيع بعض الأجلة يقتضي اختيار أن يكون كل من الحصرين بالإضافة إلى الجواب الذي يرجوه عليه السلام في متابعته فتأمل.
* (قال رب انصرنى على القوم المفسدين) * * (قال رب انصرني) * أي بإنزال العذاب الموعود * (على القوم المفسدين) * بابتداع الفاحشة وسنها فيما بعدهم والإصرار عليها واستعجال العذاب بطريق السخرية، وإنما وصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب.
* (ولما جآءت رسلنآ إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوأهل ه‍اذه القرية إن أهلها كانوا ظ‍المين) * * (ولما جاءت رسلن‍اا إبراهيم بالبشرى) * أي بالبشارة بالولد والنافلة * (قالوا) * أي لإبراهيم عليه السلام في تضاعيف الكلام * (إنا مهلكوا أهل هذه القرية) * أي قرية سذوم وهي أكبر قرى قوم لوط وفيها نشأت الفاحشة أولا على ما قيل، ولذا خصت بالذكر، وفي الإشارة بهذه إشارة إلى أنها كانت قريبة من محمل إبراهيم عليه السلام وإضافة * (مهلكوا) * إلى * (أهل) * لفظية لأن المعنى على الاستقبال، وجوز كونها معنوية لتنزيل ذلك منزلة الماضي لقصد التحقيق والمبالغة * (إن أهلها كانوا ظ‍المين) * تعليل للإهلاك بإصرارهم على الظلم وتماديهم في فنون الفساد وأنواع المعاصي، والتأكيد في الموضعين للاعتناء بشأن الخبر وقال سبحانه: * (إن أهلها) * دون إنهم مع أنه أظهر وأخصر تنصيصا على اتفاقهم على الفساد كما اختاره الخفاجي.
وقال بعض المدققين: إن ذلك للدلالة على أن منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم، ففيه إشارة خفية إلى أن المراد من أهل القرية من نشأ فيها فلا يتناول لوطا عليه السلام، واعترض بأنه يبعد كل البعد خفاؤها لو كانت على إبراهيم عليه السلام كما هو ظاهر قوله تعالى:
* (قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغ‍ابرين) * * (قال إن فيها لوطا) * وقيل: يجوز أن يكون عليه السلام علم ما أشاروا إليه من عدم تناول أهل القرية إياه لكنه أراد التنصيص على حاله ليطمئن قلبه لكمال شفقته عليه، وقيل: أراد أن يعلم هل يبقى في القرية عند إهلاكهم أو يخرج منها ثم يهركون، وكأنه في قوله: * (إن فيها) * دون إن منهم إشارة إلى ذلك، وأفهم كلام بعض المحققين أن قوله: * (إن فيها لوطا) * اعتراض على الرسل عليهم السلام بأن في القرية من لم يظلم بناء على أن المتبادر من إضافة الأهل إليها العموم، وحمل الأهل على من سكن فيها وإن لم يكن تولده بها، أو معارضة للموجب للهلاك وهو الظلم بالمانع وهو أن لوطا بين ظهرانيهم
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»