تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٤١
تضمنه الأمر كما في قولهم: أكرمني أنفعك لا يفيد ذلك، والداعي لهم إلى المبالغة التشجيع على الاتباع، والحمل هنا مجاز، وفي " البحر " شبه القيام بما يتحصل من عواقب الإثم بالحمل على الظهر والخطايا بالمحمول، وقال مجاهد: الحمل هنا من الحمالة لا من الحمل انتهى.
والآية على ما أخرج جماعة عن مجاهد نزلت في كفار قريش قالوا لمن آمن منهم: لانبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا فإن كان عليكم شيء فعلينا. وأخرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن ابن الحنفية قال كان أبو جعل وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون يقولون: إنه يحرم الخمر ويخرم الزنا ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم فنزلت هذه الآية، وقيل: قائل ذلك أبو سفيان بن حرب. وأمية بنت خلف قالا لعمر رضي الله تعالى عنه: إن كان في الإقامة على دين الآباء إثم فنحن نحمله عندك.
وقيل: قائله الوليد بن المغيرة، ونسبة ما صدر عن الواحد للجمع شائعة، وقد تقدم الكلام غير مرة في وجه ذلك، وقرأ الحسن. وعيسى. ونوح القارىء * (ولنحمل) * بكسر لام الأمر، ورويت عن علي كرم الله تعالى وجهه: * (وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء) * نفي مؤكد عن سبيل الاستمرار لكونهم حاملين شيئا ما من خطاياهم التي التزموا حملها، فالباء زائدة لتأكيد النفي والاستمرار الذي تفيده الجملة الاسمية معتبر بعد النفي، ومن الأولى للبيان وهو مقدم من تأخير، ومن الثانية مزيدة لتأكيد الاستغراق، وهذه الجملة اعتراض أو حال.
وقرأ داود بن أبي هند فيما ذكر أبو الفضل الرازي * (من خطيئتهم) * على التوحيد قال: ومعناه الجنس، ودل على ذلك اتصافه بضمير الجماعة، وذكر ابن خالويه.
وأبو عمرو الداني أن داود هذا قرأ * (من خطيئاتهم) * جمع خطيئة جمع السلامة بالألف والتاء، وذكر ابن عطية عنه أنه قرأ من * (خطيهم) * بفتح الطاء وكسر الياء، وينبغي أن يحمل كسر الياء على أنها همزة سهلت بين بين فأشبهت الياء لأن قياس تسهيلها هو ذلك، وقوله تعالى:
* (إنهم لك‍اذبون) * استئنا فمقرر للنفي السابق، والكذب قيل راجع إلى تعليق الحمل بالاتباع فإنه اخبار لا إلى الأمر السابق لأنه إنشاء ولا يجري الكذب فيه، وتعقب بأن التعليق لا يلزمه أن يكون أخبار بل هو ضمان معلق أي إنشاء الضمان عند وجود الصفة، ولذا قال الزمخشري: إن ضامن ما لا يعلم اقتداره على الوفاء به لا يسمى كاذبا لا حين ضمن ولا حين عجز لأنه في الحالين لا يدخل تحت حد الكاذب وهو المخبر عن الشيء لا على ما هو عليه، وجعل هذا سؤالا عن وجه التعبير بكاذبون، وأجاب عن ذلك بوجهين، ثانيهما على ما في " الكشف " هو الوجه، وحاصله أن الكذب ليس راجعا إلى أنهم غير حاملين ليقال: إن الضامن لا يسمى كاذبا بل أخبر الله تعالى أنهم عجز عما ضمنوه ومع ذلك هم كاذبون في وعد إنشاء الضمان عند وجود الوصف، والمحصل أن من وعد الضمان إن ضمن ولم يحقق لا يسمى كاذبا وإن لم يضمن سمي كاذبا، وأولهما أنه شبه الله تعالى حالهم حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به فكان ضمانهم عنده سبحانه لا على ما هو عليه المضمون بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر عنه.
وقال بعض المحققين: الكذب راجع إلى الخبر الذي في ضمن وعدهم بالحمل وهم أنهم قادرون على إنجاز
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»