تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٣٨
وقيل: يجوز أن تكون هي الجواب على أن المراد بها المعنى الملائم للشرط كما ذكر * (وهو السميع) * جل شأنه لأقوال العباد * (العليم) * بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والعقائد والصفات الباطنة، والجملة تذييل لتحقيق حصول المرجو والمخوف وعدا ووعيدا * (ومن ج‍اهد) * في طاعة الله عز وجل.
* (ومن جاهد فإنما يج‍اهد لنفسه إن الله لغنى عن الع‍المين) * * (فإنما يجاهد لنفسه) * لعود المنفعة من الثواب المعد لذلك إليها * (إن الله لغني عن الع‍المين) * فلا حاجة له إلى طاعتهم وإنما أمرهم سبحانه بها تعريضا لهم للثواب بموجب رحمته وحكمته.
* (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذى كانوا يعملون) * * (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لنكفرن عنهم سيئاتهم) * الكفر الأصلي أو العارضي بالايمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات * (ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) * أي أحسن جزاء أعمالهم والجزاء الحسن أن يجازي بحسنة حسنة، وأحسن الجزء أن تجازي الحسنة الواحدة بالعشر وزيادة، وقيل: لو قدر لنجزينهم بأحسن أعمالهم أو جزاء أحسن أعمالهم لإخراج المباح جاز.
* (ووصينا الإنس‍ان بوالديه حسنا وإن ج‍اهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهمآ إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) * * (ووصينا الإنس‍ان بوالديه حسنا) * أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما، وانتصب حسنا على أنه وصف لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا أي ذا حسن أو هو في حد ذاته حسن لفرط حسنه كقوله تعالى: * (وقولوا للناس حسنا) * (البقرة: 83) وهذا ما اختاره أبو حيان ولا يخلو عن حسن، وقال الزمخشري حسنا مفعول به لمصدر محذوف مضاف إلى والديه أي وصيناه بإيتاء والديه أو بإيلاء والديه حسنا، وفيه إعمال المصدر محذوفا وإبقاء عمله وهو لا يجوز عند البصريين، وجوز أن يكون حسنا مصدرا لفعل محذوف أي أحسن حسنا، والجملة في موضع المفعول لوصي لتضمنه معنى القول، وهذا على مذهب الكوفيين القائلين بأن ما يتضمن معنى القول يجوز أن يعمل في الجمل من غير تقدير للقول، وعند البصريين يقدر القول في مثل ذلك وعليه يجوز أن يكون مفعولا به لفعل محذوف والجملة مقول القول وجملة القول مفسرة للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما حسنا، وعلى هذا يحسن الوقف على بوالديه لاستئناف الجملة بعده، ورجح تقدير الأمر بأنه أوفق لما بعده من الخطاب والنهي الذي هو أخوه لكن ضعف ما فيه كثرة تقدير بكثرة التقدير، ونقل ابن عطية عن الكوفيين أنهم يجعلون حسنا مفعولا لفعل محذوف ويقدرون أن يفعل حسنا، وفيه حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول وهو لا يجوز عند البصريين، وقيل: إن حسنا منصوب بنزع الخافض وبوالديه متعلق بوصينا والباء فيه بمعنى في أي وصينا الإنسان في أمر والديه بحسن وهو كما ترى، وقرأ عيسى. والجحدري * (حسنا) * بفتحتين وفي مصحف أبي إحسانا * (وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) * عطف على ما قبله ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل أي وقلنا: إن جاهداك الخ لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر لأن الجملة الشرطية إذ كان جوابها إنشاء فهي إنشائية كما صرحوا به فإذا لم يضمر القول لا يليق عطفها على وصينا لما ذكر ولا على ما عمل فيه لكونه في معنى القول وهو أحسن وإن توافقا في الإنشائية لأنه ليس من الوصية بالوالدين لأنه منه يعن مطاوعتهما، وأما عطفه على قلنا المفسر للتوصية فلا يضر لما فيه من تقييدها بعدم الإفضاء إلى المعصية مآلا فكأنه قيل: أحسن إليهما وأطعهما ما لم يأمراك بمعصية فتأمل، والظاهر الذي يقتضيه المقام أن * (ما) * عام لما سواه تعالى شأنه وقوله سبحانه: * (به) * على حذف مضاف أي ما ليس لك بإلهيته علم، وتنكير علم للتحقير.
والمراد لتشرك بي شيئا لا يصح أن يكون إلها ولا يستقيم، وفي العدول عنه إلى ما في النظم الجليل إيذان
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»