تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ١٤٤
لا يقع في الماضي فلا يجوز ثم أمس، وإذا خلعت من الظرفية الماضوية وتصرف فيها جاز أن تكون مفعولا بهع ومعمولا لا ذكر، وجوز غير واحد أن يكون نصبا بالعطف على نوحا فكأنه قيل: وأرسلنا إبراهيم فاذ حينئذ ظرف للإرسال، والمعنى على ما قيل أرسلناه حين تكامل عقله وقدر على النظر والاستدلال وترقي من رتبة الكمال إلى درجة التكميل حيث تصدى لإرشاد الخلق إلى طرق الحق، وهذا على ما قاله بعض المحققين لما أن القول المذكور في حيز إذ إنما كان منه عليه السلام بعدما راهق قبل الإرسال، وأنت تعلم أن قوله تعالى: * (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين) * (العنكبوت: 18) الخ إذا كان من قوله عليه السلام لقومه كالنص في أن القول المحكي عنه عليه السلام كان بعد الإرسال؛ وفي " الحواشي السعدية " أن ذلك إشارة إلى دفع ما عسى أن يقال: الدعوة تكون بعد الإرسال والمفهوم من الآية تقدمها عليه، وحاصله أنه ليس المراد من الدعوة ما هو نتيجة الإرسال بل ما هو نتيجة كمال العقل وتمام النظر، مع أن دلالة الآية على تقدمها غير مسلمة ففي الوقت سعة، ويجوز أن يكون القصد هو الدلالة على مبادرته عليه السلام للامتثال اه‍ فتدبر.
وجوز أبو البقاء، وابن عطية أن يكون نصبا بالعطف على مفعول أنجيناه وهو كما ترى، والأوفق بما يأتي إن شاء الله تعالى من قوله تعالى: * (وإلى مدين أخاهم شعيبا) * (الأعراف: 85) أن يكون النصب بالعطف على نوحا. وقرأ أبو حنيفة، والنخعي. وأبو جعفر. وإبراهيم بالرفع على أن التقدير ومن المرسلين إبراهيم، وقيل: التقدير ومما ينبغي ذكره إبراهيم، وقيل: التقدير وممن أنجينا إبراهيم، وعلى الأول المعلو لدلالة ما قبل وما بعد عليه، ويتعلق بذلك المحذوف * (إذ قال لقومه * (اعبدوا الله) * وحده * (واتقوه) * أن تشركوا به سبحانه شيئا * (ذالكم) * أي ما ذكر من العبادة والتقوى * (خير لكم) * من كل شيء فيه خيرية مما أنتم عليه على تقدير الخيرية فيه على زعمكم، ويجوز كون خير صفة لا اسم تفضيل * (إن كنتم تعلمون) * أي الخير والشر وتميزون أحدهما من الآخر، أو أن كنتم تعلمون شيئا من الأشياء بوجه من الوجوه فإن ذلك كاف في الحكم بخيرية ما ذكر من العبادة والتقوى.
* (إنما تعبدون من دون الله أوث‍انا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) * * (إنما تعبدون من دون الله أوث‍انا) * بيان لبطلان دينهم وشريته في نفسه بعد بيان شريته بالنسبة إلى الدين الحق، أي ما تعبدون من دونه تعالى إلا أوثانا هي في نفسها تماثيل مصنوعة لكم ليس فيها وصف غير ذلك * (وتخلقون إفكا) * أي وتكذبون كذبا حيث تسمونها آلهة وتدعون أنها شفعاؤكم عند الله سبحانه؛ أو تعملونها وتنحتونها للإفك والكذب، واللام لام العاقبة وإلا فهم لم يعملوها لأجل الكذب، وجوز أن يكون ذلك من باب التهكم. وقال بعض الأفاضل: الأظهر كون إفكا مفعولا به والمراد به نفس الأوثان وجعلها كذبا مبالغة، أو الإفك بمعنى المأفوك وهو المصروف عما هو عليه، وإطلاقه على الأوثان لأنها مصنوعة وهم يجعلونها صانعا. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وعون العقيلي. وعبادة. وابن أبي ليلى. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (تخلقون) * بفتح التاء والخاء واللام مشددة، قال ابن مجاهد: ورويت عن ابن الزبير وأصله تتخلقون فحذفت إحدى التاءين وهو من تخلق بمعنى تكذب وصيغة التكلف للمبالغة. وزعم بعضهم جواز أن يكون تفعل بمعنى فعل. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أيضا * (تخلقون) * من خلق بالتشديد للتكثير في الخلق بمعنى الكذب والافتراء. وقرأ ابن الزبير
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»