تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٦٠
أصل الكلام فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع لأنه يتراءى قبل التأمل لظهور الخضوع في العنق بنحو الانحناء أنه هو الخاضع دون صاحبه وترك الجمع بعد الأقحام على ما كان عليه قبل. وقال الكسائي: إن خاضعين حال للضمير المجرور لا للأعناق.
وتعقبه أبو البقاء فقال: هو بعيد في التحقيق لأن * (خاضعين) * يكون جاريا على غير فاعل * (ظلت) * فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل فكان يجب أن يكون خاضعين هم فافهم، وقال ابن عباس. ومجاهد. وابن زيد. والأخفش: الأعناق الجماعات يقال: جاءني عنق من الناس أي جماعة، والمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم.
وقيل: المراد بها الرؤساء والمقدمون مجازا كما يقال لهم: رؤس وصدور فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى، وظاهر كلامهم أن إطلاق العنق على الجماعة مطلقا رؤساء أم لا حقيقة وذكر الطيبي عن الأساس أن من المجاز أتاني عنق من الناس للجماعة المتقدمة وجاؤا رسلا رسلا وعنقا عنقا والكلام يأخذ بعضه بأعناق بعض ثم قال: يفهم من تقابل رسلا رسلا لقوله: عنقا عنقا أن في إطلاق الأعناق على الجماعات اعتبار الهيئة المجتمعة فيكون المعنى فظلوا خاضعين مجتمعين على الخضوع متفقين عليه لا يخرج أحد منهم عنه.
وقرأ عيسى. وابن أبي عبلة * (خاضعة) * وهي ظاهرة على جميع الأقوال في الأعناق بيد أنه إذا أريد بها ما هو جمع العنق بمعنى الجارحة كان الإسناد إليها مجازيا و * (لها) * في القراءتين صلة ظلت أو الوصف والتقديم للفاصلة أو نحو ذلك لا للحصر، وظلت عطف على ننزل ولا بد من تأويل أحد الفعلين بما هو من نوع الآخر لأنه وإن صح عطف الماضي على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية ولا يعقل ذلك والمعقول عكسه، وبتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك لكن اختار بعضهم تأويل ظلت بتظل وكأن العدول عنه إليه ليؤذن الماضي بسرعة الانفعال وأن نزول الآية لقوة سلطانه وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعا قبله، وبعضهم تأويل ننزل بأنزلنا، ولعل وضعه موضعه لاستحضار صورة إنزال تلك الآية العظيمة الملجئة إلى الايمان وحصول خضوع رقابهم عند ذلك في ذهن السامع ليتعجب مه فتأمل.
وقرأ طلحة * (فتظل) * بفك الإدغام، والجزم وضعف الحريري في درة الغواض الفك في مثل ذلك، ورجح " صاحب الكشف " القراءة بأنها أبلغ لإفادة الماضي ما سمعته آنفا، هذا والظاهر أنه لم يتحقق إنزال هذه الآية لأن سنة الله تعالى تكليف الناس بالايمان من دون الجاء، نعم إذا قيل: المراد آية مذلة لهم كما روى عن قتادة جاز أن يقال بتحقق ذلك، ولعل ما روى عن ابن عباس كما في " البحر " و " الكشاف " من قوله نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هو أن بعد عزة ناظر إلى هذا، وعن أبي حمزة الثمالي أن الآية صوت يسمع من السماء في نصف شهر رمضان وتخرج له العواتق من البيوت، وهذا قول بتحقق الإنزال بعد وكأن ذلك زمان المهدي رضي الله تعالى عنه، ومن صحة ما ذكر من الأخبار في القلب شيء والله تعالى أعلم. [بم وقوله تعالى:
* (وما يأتيهم من ذكر من الرحم‍ان محدث إلا كانوا عنه معرضين) * * (وما يأتيهم من ذكر من الرحم‍ان محدث إلا كانوا عنه معرضين) * بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب بغير ما ذكر من الآية الملجئة تأكيدا لصرف رسول الله
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»