ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * لشيء نحته عن يديه المقادر وقال الأخفش. والفراء. يقال بخع يبخع بخعا وبخوعا أي أهلك من شدة الوجد وأصله الجهد، ومنه قول عائشة في عمر رضي الله تعالى عنهما بخع الأرض أي جهدها حتى أخذ ما فيها من أموال الملوك، وقال الكسائي بخع الأرض بالزراعة جعلهما ضعيفة بسبب متابعة الحراثة؛ وقال الزمخشري وتبعه المطرزي: أصل البخع أن تبلغ بالذبح البخاع بكسر الباء وهو عرق مستبطن الفقار وذلك أقصى حد الذبح، ولم يطلع على ذلك ابن الأثير مع مزيد بحثه ولا ضير في ذلك.
وقرأ زيد بن علي. وقتادة رحمهم الله تعالى * (باخع نفسك) * بالإضافة على خلاف الأصل فإن الأصل في اسم الفاعل إذا استوفى شروط العمل أن يعمل على ما أشار إليه سيبويه في الكتاب، وقال الكسائي: العمل والإضافة سواء، وذهب أبو حيان إلى أن الإضافة أحسن من العمل، ولعل في مثل هذا الموضع لإشفاق المتكلم، ولما استحال في حقه سبحانه جعلوه متوجها إلى المخاطب، ولما كان غير واقع منه أيضا قالوا: المراد الأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه فكأنه قيل: أشفق على نفسك أن تقتلها وجدا وحسرة على ما فاتك من إسلام قومك، وقال العسكري: هي في مثل هذا الموضع موضوعة موضع النهي، والمعنى لا تبخع نفسك، وقيل: وضعت موضع الاستفهام والتقدير هل أنت باخع، وحكى مثله عن ابن عطية إلا أنه قال: المراد الإنكاري أي لا تكن باخعا نفسك * (ألا يكونوا مؤمنين) * تعليل للبخع ، ولما لم يصح كون عدم كونهم في المستقبل مؤمنين كما يفيده ظاهر الكلام علة لذلك لعدم المقارنة والعلة ينبغي أن تقارن المعلول قدروا - خيفة - فقالوا: خيفة أن لا يؤمنوا بذلك الكتاب المبين، ومن الأجلة من لم يقدر ذلك بناء على أن المراد لاستمرارهم على عدم قبول الايمان بذلك الكتاب لأن كلمة كان للاستمرار وصيغة الاستقبال لتأكيده وأريد استمرار النفي؛ وجوز أن يكون الكون بمعنى الصحة والمعنى لامتناع إيمانهم والقول بأن فعل الكون أتى به لأجل الفاصلة ليس بشيء. [بم وقوله تعالى:
* (إن نشأ ننزل عليهم من السمآء ءاية فظلت أعناقهم لها خاضعين) * * (إن نشأ) * الخ استئناف لتعليل الأمر بإشفاقه على نفسه صلى الله عليه وسلم أو النهي عن البخع، ومفعول المشيئة محذوف وهو على المشهور ما ذل عليه مضمون الجزاء، وجوز أن يكون مدلولا عليه بما قبل أي إن نشأ إيمانهم * (ننزل عليهم من السماء آية) * ملجئة لهم إلى الايمان قاسرة عليه كما نتق الجبل فوق بني إسرائيل وتقديم الظرفين على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر. وقرأ أبو عمرو في رواية هرون عنه * (إن يشأ ينزل) * على الغيبة والضمير له تعالى، وفي بعض المصاحب لو شئنا لأنزلنا * (فظلت أعناقهم لها خاضعين) * أي منقادين وهو خبر عن الأعناق وقد اكتسبت التذكير وصفة العقلاء من المضاف إليه فأخبر عنها لذلك بجمع من يعقل كما نقله أبو حيان عن بعض أجلة علماء العربية.
واختصاص جواز مثل ذلك الشعر كما حكاه السيرافي عن النحويين مما لم يرتضه المحققون ومنهم أبو العباس وهو ممن خرج الآية على ذلك، وجوزأن يكون ذلك لما أنها وصفت بفعل لا يكون إلا مقصودا للعاقل وهو الخضوع كما في قوله تعالى: * (رأيتهم لي ساجدين) * (يوسف: 4) وأن يكون الكلام على حذف مضاف وقد روعي بعد حذفه أي أصحاب أعناقهم، ولا يخفى أن هذا التقدير ركيك مع الإضافة إلى ضميرهم، وقال الزمخشري: