الايمان من جهته عز وجل وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى فربما يتوهم منها كونهم معذورين فيه بحسب الظاهر ويحتاج حينئذ إلى تحقيق عدم العذر بما يخفى على العلماء المتقنين، والمعنى على الزيادة وما أكثرهم مؤمنين مع عظم الآية الموجبة للايمان لغاية تماديهم في الكفر والضلالة وانهماكهم في الغي والجهالة، ويجوز على قياس ما مر عن بعض الأجلة في قوله تعالى: * (أن ألا يكونوا مؤمنين) * (الشعراء: 3) أن يقال: إن * (كان) * للاستمرار واعتبر بعد النفي فالمراد استمرار نفي إيمان أكثرهم مع عظم الآية الموجبة لايمانهم، وفيه من تقبيح حالهم ما فيه.
وهذا المعنى وإن تأتي على تقدير إسقاط * (كان) * بأن يعتبر الاستمرار الذي تفيده الجملة الاسمية بعد النفي أضا إلا أنه فرق بين الاستمرارين بعد اعتبار كان قوة وضعفا فتدبر، ونسبة عدم الايمان إلى أكثرهم لأن منهم من لم يكن كذلك.
* (وإن ربك لهو العزيز الرحيم) * * (وإن ربك لهو العزيز) * أي الغالب على كل ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من هؤلا الكفرة * (الرحيم) * أي البالغ في الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترؤا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات أو العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن أو العزيز في انتقامه من الكفرة الرحيم لك بأن يقدر من يؤمن بك إن لم يؤمن هؤلاء، والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه عليه الصلاة والسلام والعدة الخفية له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وتقديم العزيز لأن ما قبله أظهر في بيان القدرة أو لأنه أدل على دفع المضار الذي هو أهم من جلب المصالح.
* (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين) * * (وإذ نادى ربك موسى) * كلام مستأنف مقرر لسوء حالهم ومسل له صلى الله عليه وسلم أيضا لكن بنوع آخر من أنواع التسلية على ما قيل: و * (إذا) * منصوب على المفعولية بمقدر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، والتقدير عند بعض واذكر في نفسك وقت ندائه تعالى أخاك موسى عليه السلام وما جرى له مع قومه من التكذيب مع ظهور الآيات وسطوع المعجزات لتعلم أن تكذيب الأمم لأنبيائهم ليس بأول قارورة كسرت ولا بأول صحيفة نشرت فيهون عليك الحال وتستريح نفسك مما أنت فيه من البلبال.
وعند شيخ الإسلام واذكر لقومك وقت ندائه تعالى موسى عليه السلام وذكرهم بما جرى على قوم فرعون بسبب تكذيبهم إياه عليه السلام زاجرا لهم عما هم عليه من التكذيب وتحذيرا من أن يحيق بهم مثل ما حاق بهم حتى يتضح لديك أنهم في غاية العناد والإصرار لا يردعهم أخذ إضرابهم من المكذبين الأشرار ولا يؤثر فيهم الوعظ والإنذار، وهذا التقدير يناسب صدر القصة الآتية أعني قوله تعالى: * (واتل عليهم نبأ إبراهيم) * (الشعراء: 69) والأول يناسب القصص المصدرة بكذبت على ما قيل.
والأظهر عندي تقدير واذكر لقومك لوضوح اقتضاء * (واتل عليهم) * له. ولا نسلم اقتضاء تلك القصص المصدرة بكذبت تقدير اذكر في نفسك وأمر المناسبة مشترك وإن سلم اختصاصها به فهي لا تقاوم الاقتضاء المذكور. نعم الأظهر أن يكون وجه التسلي بما ذكر كونه عليه الصلاة والسلام ليس بدعا من الرسل ولا قومه بدعا من الأقوام في التكذيب مع ظهور الآيات وسطوع المعجزات وقد تضمن الأمر بذكر ذلك لهم الأمر بالتسلي به على أتم وجه فتدبر. وأيا ما كان فوجه توجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه قد مر مرارا. وقيل: إن ذلك المقدر معطوف على مقدر آخر أي خذ الآيات أو ترقب إتيان الأنباء واذكر وهو تكلف لا حاجة إليه. وقيل: * (إذ) * ظرف لقال بعد وليس بذاك. ومعنى نادى دعا. وقيل: