تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٥٧
صارت مورد الخواص والعوام، والبحر الملح إشارة إلى بحر الحقيقة وملوحته لماأن الحقيقة صعبة المسالك لا يكاد يدرك ما فيها عقل السالك، والبرزخ إشارة إلى الطريقة فإنها ليست بسهلة كالشريعة ولا صعبة كالحقيقة بل بين بين * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا) * (الفرقان: 61) قيل: هو إشارة إلى أنه سبحانه جعل في سماء القلوب بروج المنازل والمقامات وهي اثنا عشر التوبة والزهد. والخوف. والرجاء. والتوكل. والصبر. والشكر. واليقين. والإخلاص والتسليم. والتفويض. والرضا وهي منازل الأحوال السيارة شمس التجلي وقمر المشاهدة وزهرة الشوق ومشترى المحبة وعطارد الكشوف ومريخ الفناء وزحل البقاء * (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) * بغير فخر ولا خيلاء لما شاهدوا من كبرياء الله تعالى وجلاله جل شأنه. وذكر بعضهم أن هؤلاء العباد يعاملون الأرض معاملة الحيوان لا الجماد ولذا يمشون عليها هونا * (وإذا خاطبهم الجاهلون) * وهم أبناء الدنيا * (قالوا سلاما) * (الفرقان: 63) أي سلامة من الله تعالى من شركم أو إذا خاطبهم كل ما سوى الله تعالى من الدنيا والآخرة وما فيهما من اللذة والنعيم وتعرض لهم ليشغلهم هما هم فيه * (قالوا سلاما) * سلام متاركة وتوديع والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) * (الفرقان: 64) لما علموا أن الصلاة معراج المؤمن والليل وقت اجتماع المحب بالحبيب: نهاري نهار الناس حتى إذا بدا * لي الليل هزتني إليك المضاجع أقضي نهاري بالحديث وبالمني * ويجمعني والهم بالليل جامع * (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) * (الفرقان: 65) إشارة إلى مزيد خوفهم من القطيعة والبعد عن محبوبهم وذلك ما عنوه بعذاب جهنم لا العذاب المعروف فإن المحب الصادق يستعذبه مع الوصال ألا تسمع ما قيل: فليت سليمي في المنام ضجيعتي * في جنة الفردوس أو في جهنم * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) * (الفرقان: 67) إشارة إلى أن فيوضاتهم حسب قابلية المفاض عليه لا يسرفون فيها بأن يفيضوا فوق الحاجة ولا يقترون بأن يفيضوا دون الحاجة أو إلى أنهم إذا أنفقوا وجودهم في ذات الله تعالى وصفاته جل شأنه لم يبالغوا في الرياضة إلى حد تلف البدن ولم يقتروا في بذل الوجود بالركون إلى الشهوات * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) * برفع حوائجهم إلى الأغيار * (ولا يقتلون النفس التي حرم الله) * قتلها * (إلا بالحق) * أي إلا بسطوة تجلياته تعالى * (ولا يزنون) * (الفرقان: 68) بالتصرف في عجوز الدنيا ولا ينالون منها شيئا إلا بإذنه تعالى * (والذين لا يشهدون الزور) * لا يحضرون مجالس الباطل من الأقوال والأفعال * (وإذا مروا باللغو) * (الفرقان: 72) وهو ما لا يقربهم إلى محبوبهم مروا كراما معرضين عنه * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) * (الفرقان: 73) بل أقبلوا عليها بالسمع والطاعة مشاهدين بعيون قلوبهم أنوار ما ذكروا به من كلام ربهم * (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا) * من ازدوج معنا وصحبنا وذرايتنا الذين أخذوا عنا * (قرة أعين) * بأن يوفقوا للعمل الصالح * (واجعلنا للمتقين إماما) * (الفرقان: 74) وهم الفائزون بالفناء والبقاء الأتمين * (أولئك يجزون الغرفة) * وهو مقام العندية * (بما صبروا) * في البداية على تكاليف الشريعة، وفي الوسط على التأدب بآداب الطريقة، وفي النهاية على ما تقتضيه الحقيقة * (ويلقون
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»