تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٧١
ولا يخفى أن الأوفق بحديث الجزاء أن يكون المراد بقوله: فعلتها وأنا من الضالين فعلتها مقدما عليها من غير مبالاة على أن الضلال بمعنى الجهل المفسر بالإقدام من غير مبالاة لكن التزام كون * (إذا) * هنا للجواب والجزاء التزام ما لا يلزم فإن الصحيح الذي قال به الأكثرون أنها قد تتمحض للجواب، وفي " البحر " أنهم حملوا ما في هذه الآية على ذلك، وتوجيه كونها للجزاء فيها بما ذكر لا يخلو عن تكلف، والأظهر عندي معنى ما آثره بعض أفاضل المحققين من أنها ظرف مقطوع عن الإضافة ولا أرى فيه ما يقال سوى أنه معنى لم يذكره أكثر علماء العربية. وهم لم يحيطوا بكل شيء علما، وإن أبيت هذا فهي للجواب فقط، ومن العجيب قول ابن عطية: إنها هنا صلة في الكلام ثم قوله: وكأنها بمعنى حينئذ ولو اكتفى به على أنه تفسير معنى لكان له وجه فتأمل، والله تعالى أعلم.
* (قال فرعون وما رب الع‍المين) * * (قال فرعون) * مستفهما عن المرسل سبحانه * (وما رب العالمين) * وتحقيق ذلك على ما قال العلامة الطيبي. أنه عز وجل لما أمرهما بقوله سبحانه: * (فاتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) * (الشعراء: 16) * (أن أرسل معنا بني إسرائيل) * (الشعراء: 17) فلا بد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين فلما أديت عنده اعترض أولا بقوله: * (ألم نربك فينا وليدا) * (الشعراء: 18) إلى آخره وثانيا بقوله: * (وما رب العالمين) * (الشعراء: 23) ولذلك جىء بالواو العاطفة وكرر قال للطول فكأنه قال: أأنت الرسول وما رب العالمين؟ وقال الزمخشري: إن اللعين لما قال له بوابه: إن ههنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله: وما رب العالمين؟ واعترض بأنه نظم مختل لسبق المقاولة بينهم كما أشار إليه هو في سابق كلامه. وانتصر له صاحب الكشف فقال: أراد أنه تعالى ذكر مرة * (فقولا إنا رسولا ربك فأرسل) * (طه: 47) وأخرى * (فقولا أنا رسول رب العالمين) * والقصة واحدة والمجلس واحد فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه عليه السلام والأول ما خاطبه به موسى عليه السلام مشافهة وأن اللعين أخذ أولا: في الطعن فيه وأن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلا عما ادعاه؛ وثانيا: في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه انتهى.
وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين وأن فرعون سأل أولا بقوله: * (فمن ربكما يا موسى) * (طه: 49) وسأل ثانيا بقوله: * (وما رب العالمين) * وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل جل وعلا أولا وهو سورة طه والثاني فيما أنزله سبحانه ثانيا وهو سورة الشعراء، فقد روي عن ابن عباس أن سورة طه نزلت ثم الواقعة ثم طسم الشعراء، وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا: * (إنا رسول رب العالمين) * والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرأة الأولى بقوله: * (من ربكما) * طلبا للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب خلافا للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم وأخرى بما رب العالمين طلبا للماهية والحقيقة انتقالا لما هو أصعب ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسبما قص الله تعالى بعد، و * (ما) * يسئل بها عن الحقيقة مطلقا سواء كان المسؤول عن حقيقته من أولي العلم أولا فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذ أن يقال من رب العالمين؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له عز وجل عبر بما، ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.
* (قال رب السم‍اوات والارض وما بينهمآ إن كنتم موقنين) *
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»