أمر * (أن ائت) * أي بأن ائت على أن أن مصدرية حذف عنها حرف الجر أو أي ائت على أنها مفسرة.
* (القوم الظالمين) * بالكفر والمعاصي. واستعباد بني إسرائيل وذبح أبنائهم وليس هذا مطلع ما ورد في حيز النداء وإنما هو ما فصل في سورة طه من قوله تعالى: * (إني أنا ربك) * إلى قوله سبحانه: * (لنريك من آياتنا الكبرى) * وسنة القرآن الكريم إيراد ما جرى في قصة واحدة من المقالات بعبارات شتى وأساليب مختلفة لاقتضاء المقام ما يكون فيه من العبارات كما حقق في موضعه.
* (قوم فرعون ألا يتقون) * * (قوم فرعون) * عطف بيان للقوم الظالمين جيء به للإيذان بأنهم علم في الظلم كان معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون، وقال أبو البقاء: بدل منه؛ ورجح أبو حيان الأول بأنه أقضى لحق البلاغة لإيذانه بما سمعت، ولعل الاقتصار على القوم للعلم بأن فرعون أولى بما ذكر وقد خص في بعض المواضع للدلالة على ذلك، وجوز أن يقال قوم فرعون شامل شمول بني آدم آدم عليه السلام * (ألا يتقون) * حال بتقدير القول أي ائتهم قائلا لهم ألا يتقون.
وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار. وشقيق بن سلمة. وحماد بن سلمة. وأبو قلابة بتاء الخطاب، ويجوز في مثل ذلك الخطاب والغيبة فيقال قل لزيد تعطي عمرا كذا ويعطي عمرا كذا. وقرىء بكسر النون مع الخطاب والغيبة والأصل يتقونني فحذفت إحدى النونين لاجتماع المثلين وحذفت ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة. وقول موسى عليه السلام ذلك بطريق النيابة عنه عز وجل نظير ما في قوله تعالى: * (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) * (البقرة: 186) فكأنه قيل: ائتهم قائلا قولي لهم ألا تتقونني، وقال الزمخشري هو كلام مستأنف اتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيبا لموسى عليه السلام من حالهم التي شنعت في الظلم والعسف ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله عز وجل، وقراءة الخطاب على طريقة الالتفات إليهم وجبههم وضرب وجوههم بالإنكار والغضب عليهم، وإجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه في مسامعهم لأنه مبلغه ومنهيه وناشره بين الناس فلا يضر كونهم غيبا حقيقة في وقت المناجاة، وفيه مزيد حث على التقوى لمن تدبر وتأمل انتهى، والاستئناف عليه قيل: بياني بتقدير لم هذا الأمر؟، وقيل: هو نحوي إذ لا حاجة إلى هذا السؤال بعد ذكرهم بعنوان الظلم ودفع بالعناية، ولعل ما ذكرناه أسرع تبادرا إلى الفهم.
وقال أيضا: يحتمل أن يكون * (لا يتقون) * حالا من الضمير في * (الظالمين) * أي يظلمون غير متقين الله تعالى وعقابه عز وجل فادخلت همزة الإنكار على الحال دلالة على إنكار عدم التقوى والتوبيخ عليه ليفيد إنكار الظلم من طريق الأولى فإن فائدة الاتيان بهذه الحال الإشعار بأن عدم التقوى هو الذي جرأهم على الظلم.
وتعقبه أبو حيان بأنه خطأ فاحش لأن فيه مع الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي لزوم أعمال ما قبل: الهمزة فيما بعدها. وأجيب بمنع كون الفاصل أجنبيا وأنه يتوسع في الهمزة وهو كما ترى، وجوز أيضا في * (ألا يتقون) * بالياء التحتية وكسر النون أن يكون بمعنى ألا يا ناس اتقون نحو قوله تعالى: * (ألا يسجدوا) * فتكون * (ألا) * كلمة واحدة للعرض ويا ندائية سقطت ألفها لالتقاء الساكنين وحذف المنادى وما بعده فعل أمر ويكون إسقاط الألفين مخالفا للقياس، ولا يخفى أنه تخريج بعيد وأن الظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى في جميع القراءات.
* (قال رب إنى أخاف أن يكذبون) * * (قال) * استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال موسى عليه السلام؟ فقيل: قال متضرعا إلى الله عز وجل.