محكوم عليه عند المحدثين بما تعلم، ومثله ما تقدم عن ابن سلام وكذا غيره من الأخبار التي وقفت عليها في هذا الشأن، وليس في الآية إشارة إلى ذلك بل الظاهر بناء على ما يقتضيه حال سليمان عليه السلام إن التفقد كان منه عليه السلام عناية بأمور ملكه واهتماما بضعفاء جنده، وكانه عليه السلام أخرج كلامه كما حكاه النظم الجليل لغلبة ظنه إنه لم يصبه ما أهلكه وليكون ذلك مع التفقد من باب الجمع بين صفتي الجمال والجلال وهو الأكمل في شأن الملوك، ولعل ما وقع من حديث النملة كان كالحالة المذكورة له عليه السلام للتفقد. وعلى ما تقدم عن ابن سلام أن الحالة المذكرة بل الداعية هي النزول في المفازة التي لا ماء فيها، وكون الهدهد قناقنه، ويحكون في ذلك أن سليمان عليه السلام حين تم له بناء بيت المقدس تجهز ليحج بحشره فوافى الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كل يوم طول مقامه خمسة آلاف بقرة وخمسة آلاف ناقة وعشرين ألف شاة وقال لأشراف من معه أن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا يعطي النصر على من عاداه وينصر بالرعب من مسيرة شهر القريب والبعيد عنده سواء في الحق لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم قالوا: فبأي دين يدين يا نبي الله؟ فقال: بدين الحنيفية فطوبى لمن آمن به وأدركه فقالوا: كم بيننا وبين خروجه؟ قال: مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل عليهم السلام، ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا أعجبته خضرتها فنزل ليتغذى ويصلي فلم يجدوا الماء فكان ما كان.
وفي بعض الآثار ما يعارض حكاية الحج، فقد روي عن كعب الأحبار أن سليمان عليه السلام سار من اصطخر يريد اليمن فمر على مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: هذه دار هجرة نبي يكون آخر الزمان طوبى لمن اتبعه، ولما وصل إلى مكة رأى حول البيت أصناما تعبد فجاوزه فبكى البيت فأوحى الله تعالى إليه ما يبكيك؟ قال يا رب أبكاني أن هذا نبي من أنبيائك ومعه قوم من أوليائك مروا على ولم يهبطوا ولم يصلوا عندي والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله تعالى إليه لاتبك فإني سوف أبكيك وجوها سجدا وأنزل فيك قرآنا جديدا وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلى واجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وأفرض عليهم فريضة يرفون إليك رفيف النسر إلى وكره ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها وأطهرك من الأوثان وعبدة الشيطان، ثم مضى سليمان حتى أتى على وادي النمل، ولا يظهر الجمع بين الخبرين، ولعل المقدار الذي يصح من الأخبار أنه عليه السلام لما تم له بناء بيت المقدس حج وأكثر من تقريب القرابين وبشر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقصد اليمن وتفقد الطير فلم ير الهدهد فتوعده بقوله:
* (لأعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين) * * (لأعذبنه عذابا شديدا) * قيل بنتف ريشه وروي ذلك عن ابن عباس. ومجاهد. وابن جريج.
والظاهر أن المراد جميع ريشه، وقال يزيد بن رومان بنتف ريش جناحيه، وقال ابن وهب بنتف نصف ريشه. وزاد بعضهم مع النتف القاره للنمل وآخر تركه في الشمس، وقيل: ذلك بطليه بالقطران وتشميسه وقيل بحبسه في القفص، وقيل بجمعه مع غير جنسه، وقيل بإبعاده من خدمة سليمان عليه السلام، وقيل بالتفريق بينه وبين الفه، وقيل بالزامه خدمة أقرانه. وفي البحر الأجود أن يجعل كل من الأقوال من باب التمثيل وهذا التعذيب للتأديب. ويجوز أن يبيح الله تعالى له ذلك لما رأى فيه من المصلحة والمنفعة كما أباح سبحانه