من بعيد فهو القهقهة، وكان من ذهب إلى اتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الأنبياء عليهم السلام فإن ضحكهم تبسم، وقد قال البوصيري في مدح نبينا صلى الله عليه وسلم:
سيد ضحكه التبسم والم * - شي الهوينا ونومه الإغفاء وروي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ما رأيته صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا أي مقبلا على الضحك بكليته إنما كان يتبسم، والذي يدل عليه مجموع الأحاديث ان تبسمه عليه الصلاة والسلام أكثر من ضحكه وربما ضحك حتى بدت نواجذه. وكونه ضحك كذلك مذكور في حديث آخر أهل النار خروجا منها وأهل الجنة دخولا الجنة. وقد أخرجه البخاري. ومسلم. والترمذي. وكذا في حديث أخرجه البخاري في المواقع أهله في رمضان، وليس في حديث عائشة السابق أكثر من نفيها رؤيتها إياه صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا وهو لا ينافي وقوع الضحك منه في بعض الأوقات حيث لم تره.
وأول الزمخشري ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه بأن الغرض منه المبالغة في وصف ما وجد منه عليه الصلاة والسلام من الضحك النبوي وليس هناك ظهور النواجذ وهي أواخر الأضراس حقيقة، ولعله إنما لم يقل سبحانه: فتبسم من قولها بل جاء جل وعلا بضاحكا نصبا على الحال ليكون المقصود بالإفادة التجاوز إلى الضحك بناء على أن المقصود من الكلام الذي فيه قيد إفادة القيد نفيا أو إثباتا، وفيه إشعار بقوة تأثير قولها فيه عليه السلام حيث اداه ما عراه منه إلى أن تجاوز حد التبسم آخذا في الضحك ولم يكن حاله التبسم فقط.
وكأنه لما لم يكن قول فضحك من قولها في إفادة ما ذكرنا مثل ما في النظم الجليل لم يؤت به، وفي البحر أنه لما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب كما يقولون: تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسم المستهزىء وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح أتى سبحانه بقوله تعالى: * (ضاحكا) * لبيان أن التبسم لم يكن استهزاء ولا غضبا انتهى.
ولا يخفى أن دعوى أن الضحك لا يكون إلا للسرور والفرح يكذبها قوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) * (المطففين: 29) فإن هذا الضحك كان من مشركي قريش استهزاء بفقرائهم كعمار. وصهيب. وخباب. وغيرهم كما ذكره المفسرون ولم يكن للسرور والفرح. وكذا قوله تعالى: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) * (المطففين: 34) كما هو الظاهر. وإن هرعت إلى التأويل قلنا والواقع يكذبها فإن أنكرت ضحك منك أولوا الألباب، وفيه أيضا غير ذلك فتأمل والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب، وقرأ ابن السميقع * (ضحكا) * على أنه مصدر في موضع الحال، وجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول مطلق نحو شكرا في قولك حمد شكرا.
* (وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك) * أي اجعلني أزع شكر نعمتك أي اكفه وارتبطه لا ينفلت عني وهو مجاز عن ملازمة الشكر والمداومة عليه فكأنه قيل: رب اجعلني مداوما على شكر نعمتك، وهمزة أوزع للتعدية، ولا حاجة إلى اعتبار التضمين. وكون التقدير رب يسر لي أن أشكر نعمتك وازعا إياه وعن ابن عباس أن المعنى اجعلني أشكر. وقال ابن زيد: أي حرضني. وقال أبو عبيدة أي أو لعني. وقال الزجاج فيما قيل أي ألهمن. وتأويله في اللغة كفني عن الأشياء التي تباعدني عنك. قال الطيبي فعلى هذا هو كناية تلويحية فإنه طلب أن يكفه عما يؤدي إلى كفران النعمة بأن يلهمه ما به تقيد النعمة من الشكر. وإضافة النعمة للاستغراق أي جميع نعمك. وقرىء