* (أوزعني) * بفتح الياء * (التي أنعمت) * أي أنعمتها، وأصله أنعمت بها إلا أنه اعتبر الحذف والإيصال لفقد شرط حذف العائد المجرور وهو أن يكون مجرورا بمثل ما جربه الموصول لفظا ومعنى ومتعلقا، ومن لا يقول باطراد ذلك لا يعتبر ما ذكر ولا أرى فيه بأسا * (على وعلى والدي) * أدرج ذكر والديه تكثيرا للنعمة فإن الأنعام عليهما انعام عليه من وجه مستوجب للشكر أو تعميما لها فإن النعمة عليه عليه السلام يرجع نفعها إليهما، والفرق بين الوجهين ظاهر، واقتصر على الثاني في الكشاف وهو أوفق بالشكر. وكون الدعاء المذكور بعد وفاة والديه عليهما السلام قطعا، ورجج الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: * (اعلموا آل داود شكرا) * (سبأ: 13) بعد قوله سبحانه * (ولقد آتينا داود منا فضلا) * (سبأ: 10) الخ، وقوله تعالى: * (ولسليمان الريح) * (الأنبياء: 81) الخ فتدبر فإنه دقيق * (وأن أعمل صالحا) * عطف على * (أن أشكر) * فيكون عليه السلام قد طلب جعله مداوما على العمل الصالح أيضا. وكأنه عليه السلام أراد بالشكر الشكر باللسان المستلزم للشكر بالجنان وأردفه بما ذكر تتمينا له لأن عمل الصالح شكر بالأركان، وفي البحر أنه عليه السلام سأل أولا شيئا خاصا وهو شكر النعمة وثانيا شيئا عاما وهو عمل الصالح، وقوله تعالى: * (ترضياه) * قيل صفة مؤكدة أو مخصصة ان أريد به كمال الرضا، واختير كونه صفة مخصصة. والمراد بالرضا القبول وهو ليس من لوازم العمل الصالح أصلا لا عقلا ولا شرعا * (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) * أي في جملتهم.
والكلام عن الزمخشري كناية عن جعله من أهل الجنة. وقدر بعضهم الجنة مفعولا ثانيا لأدخلني، وعلى كونه كناية لا حاجة إلى التقدير، والداعي لأحد الأمرين على ما قيل دفع التكرار مع ما قبل لأنه إذا عمل عملا صالحا كان من الصالحين البتة إذ لا معنى للصالح إلاالعامل عملا صالحا، وأردف طلب المداومة على عمل الصالح بطلب ادخاله الجنة لعدم استلزام العمل الصالح بنفسه ادخال الجنة، ففي الخبر " لن يدخل أحدكم الجنة عمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته " وكأن في ذكر * (برحمتك) * في هذا الدعاء إشارة إلى ذلك.
ولا يأبي ما ذكر قوله تعالى: * (تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * (الزخرف: 72) لأن سببية العمل للإيراث برحمة الله تعالى.
وقال الخفاجي: لك أن تقول أنه عليه السلام عد نفسه غير صالح تواضعا أي فلا يحتاج إلى التقدير ولا إلى نظم الكلام في سلك الكناية، ولا يخفى أن هذا لا يدفع السؤال باغناء الدعاء بالمداومة على عمل الصالح عنه.
وقيل: المراد أن يجعله سبحانه في عداد الأنبياء عليهم السلام ويثبت اسمه مع أسمائهم ولا يعز له عن منصب النبوة الذي هو منحة الهية لا تنال بالأعمال ولذا ذكر الرحمة في البين، ونقل الطبرسي عن ابن عباس ما يلوح بهذا المعنى.
وقيل: المراد أدخلني في عداد الصالحين واجعلني اذكر معهم إذا ذكروا، وحاصله طلب الذكر الجميل الذي لا يستلزمه عمل الصالح إذ قد يتحقق من شخص في نفس الأمر ولا يعده الناس في عداد الصالحين. وفي هذا الدعاء شمة من دعاء إبراهيم عليه السلام * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * (الشعراء: 84) ومقاصد الأنبياء في مثل ذلك أخروية، وقيل: يحتمل أنه أراد بعمل الصالح القيام بحقوق الله عز وجل وأراد بالصالح في قوله: * (في عبادك الصالحين) * القيام بحقوقه تعالى وحقوق عباده فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص وتعيين ما هو الأولى من هذه الأقوال مفوض إلى فكرك والله تعالى الهادي، وكان دعاؤه عليه السلام على ما في بعض الآثار بعد