تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٩
عليه السلام لما سمع قول النملة: * (يا أيها النمل) * الخ قال ائتوني بها فأتوا بها فقال لم حذرت النمل ظلمي؟ أما علمت اني نبي عدل فلم قلت: * (لا يحطمنكم سليمان) * وجنوده فقالت: أما سمعت قولي * (وهم لا يشعرون) * ومع ذلك أني لم أرد حطم النفوس وإنما أردت حطم القلوب خشيت أن يروا ما أنعم الله تعالى به عليك من الجاه والملك العظيم فيقعوا في كفران النعم فلا أقل من أن يشتغلوا بالنظر إليك عن التسبيح فقال لها سليمان عظيني فقالت أعلمت لم سمي أبوك داود؟ قال: لا قالت: لأنه داوى جراحة قلبه وهل تدري لم سميت سليمان؟ قال: لا قالت: لأنك سليم القلب والصدر. ثم قالت: أتدرى لم سخر الله تعالى لك الريح؟ قال لا قالت أخبرك الله تعالى بذلك أن الدنيا كلها ريح فمن اعتمد عليها فكأنما اعتمد على الريح. وهذا ظاهر الوضع كما لا يخفى وفيه ما يشبه كلام الصوفية والله تعالى أعلم بصحة ما روي من أنها أهدت إليه نبقة وانه عليه السلام دعا للنمل بالبركة.
وجوز أن تكون جملة * (هم لا يشعرون) * في موضع الحال من النملة والضمير للجنود كالضمائر السابقة في قوله تعالى: * (فهم يوزعون) * وقوله سبحانه: * (حتى إذا أتوا) * وهي من كلامه تعالى أي قالت ذلك في حال كون الجنود لا يشعرون به وليس بشيء وقد يقرب منه ما قيل أنه يجوز أن تكون الجملة معطوفة على مقدر وهي من كلامه عزو جل كأنه قيل: فهم سليمان ما قالت والجنود لا يشعرون بذلك. وقرأ الحسن. وطلحة ومعتمرين سليمان. وأبو سليمان التيمي نملة بضم الميم كسمرة. وكذلك النمل كالرجل والرجل لغتان، وعن أبي سليمان التيمي نملة ونمل بضم النون والميم. وقرأ شهر بن حوشب * (مسكنكم) * على الافراد. وعن أبي * (ادخلن مساكنكن لا يحطمنكن) * مخففة النون التي قبل الكاف.
وقرأ الحسن. وأبو رجاء. وقتادة. وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي. ونوح القاضي بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون مضارع حطم مشددا. وعن الحسن بفتح الياء وإسكان الحاء وشد الطاء وعنه كذلك مع كسر الحاء وأصله يحتطمنكم من الاحتطام. وقرأ ابن أبي إسحق. وطلحة. ويعقوب. وأبو عمرو في رواية عبيد كقراءة الجمهور إلا أنهم سكنوا نون التأكيد، وقرأ الأعمش بحذف النون وجزم الميم. ولا خلاف على هذه القراءة في جواز أن يكون الفعل مجزوما في جواب الأمر.
* (فتبسم ض‍احكا من قولها وقال رب أوزعنىأن أشكر نعمتك التىأنعمت على وعلى والدى وأن أعمل ص‍الحا ترض‍اه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الص‍الحين) * * (فتبسم ضاحكا من قولها) * تفريع على ما تقدم فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعل الفاء فصيحة كما قيل. ولعله عليه السلام إنما تبسم من ذلك سرورا بما الهمت من حسن حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة وابتهاجا بما خصه الله تعالى به من إدراك ما هو همس بالنسبة إلى البشر وفهم مرادها منه.
وجوز أن يكون ذلك تعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها: والأول أظهر مناسبة لما بعد من الدعاء. وانتصب * (ضاحكا) * على الحال أي شارعا في الضحك أعني قد تجاوز حد التبسم إلى الضحك أو مقدر الضحك بناء على أنه حال مقدرة كما نقله الطيبي عن بعضهم. وقال أبو البقاء هو حال مؤكدة وهو يقتضي كون التبسم والضحك بمعنى والمعروف الفرق بينهما قال ابن حجر. التبسم مبادىء الضحك من غير صوت والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور مع صوت خفي فإن كان فيه صوت يسمع
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»