أو إساءة الأحياء في أمواتهم أو ذكر مساوي الأموات وغير ذلك وليس مما يحتج به في اللغة ولا غيرها فلم يبق إلا اللعب بالأعراض، وزاد بعض حرمة شعر فيه تعريض وجعل التعريض في الهجو كالتصريح وله وجه وجيه.
وقال آخر: إن ما فيه فخر مذموم وقليله ككثيره، والحق إن ذلك أن تضمن غرضا شرعيا فلا بأس به، وللسلف شعر كثير من ذلك وقد تقدم لك بعض منه، وحمل الأكثرون الخبر السابق على ما إذا غلب عليه الشعر وملك نفسه حتى اشتغل به عن القرآن والفقه ونحوهما ولذلك ذكر الامتلاء، والحاصل أن المذموم امتلاء القلب من الشعر بحيث لا يتسع لغيره ولا يلتفت إليه. وليس في الخبر ذم إنشائه ولا إنشاده لحاجة شرعية وإلا لوقع التعارض بينه وبين الأخبار الصحيحة الدالة على حل ذلك وهي أكثر من أن تحصى وأبعد من أن تقبل التأويل كما لا يخفى.
وما روى عن الإمام الشافعي من قوله:
ولولا الشعر بالعلماء يزري * لكنت اليوم أشعر من لبيد محمول على نحو ما حمل الأكثرون الخبر عليه وإلا فما قاله شعر، وفي معناه قول شيخنا علاء الدين علي أفندي تغمده الله تعالى برحمته مخاطبا خاتمة الوزراء في الزوراء داود باشا من أبيات. ولو لداعيه يرضي الشعر منقبة * لقمت ما بين منشيه ومنشده هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى كلام يتعلق بهذا البحث أيضا عند الكلام في قوله تعالى: * (وما علمناه الشعر وما ينبغي) * له ومن اللطائف أن سليمان بن عبد الملك سمع قول الفرزدق:
فبتن بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاق الختام فقال له قد وجب عليك الحد فقال يا أمير المؤمنين: قد درأ الله تعالى عني الحد بقوله سبحانه: * (وإنهم يقولون ما لا يفعلون) * (الشعراء: 226) * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * تهديد شديد ووعيد أكيد لما في * (سيعلم) * من تهويل متعلقه وفي * (الذين ظلموا) * من الإطلاق والتعميم، وقد كان السلف الصالح يتواعظون بها، وختم بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصيته حين عهد لعمر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتب في مرض موته حينئذ * (بسم الله الرحمن الرحيم) * هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر ويصدق فيها الكاذب إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وأن يجر ويبدل فلا عغلم فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امرىء ما اكتسب * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) *، وتفسير الظلم بالكفر وإن كان شائعا في عدة مواضع من القرآن الكريم إلا أن الأنسب على ما قيل هنا الإطلاق لمكان قوله تعالى: * (من بعد ما ظلموا) * وقال الطيبي: سياق الآية بعد ذكر المشركين الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقى منهم من الشدائد كما مر من أول السورة يؤيد تفير الظلم بالكفر.
وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن عباس. وابن أرقم عن الحسن * (أي منفلت ينفلتون) * بالفاء والتاء والتاء الفوقية من الانفلات بعنى النجاة، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات * (وسيعلم) * هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى * (منقلب) * والناصب له * (ينقلبون) *، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في " البحر ".