تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٥٤
الأجنبي وإنما العمل نفسه يقتضي الأجرة وهو لا يأخذها وإنما يأخذها العامل وهو العبد فهو قابض الأجرة من الله تعالى فأشبه الأجير في قبض الأجرة وخالفه بالاستئجار اه‍.
وحقق أيضا ذلك في الباب السادس عشر والثلاثمائة من الفتوحات، وذكر في الباب السابع عشر والأربعمائة منها أن أجر كل نبي يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين * (وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون) * (الشعراء: 210 - 212) فيه إشارة إلى أنه ليس للشيطان قوة حمل القرآن لأنه خلق من نار وليس لها قوة حمل النور ألا ترى أن نار الجحيم كيف تستغيث عند مرور المؤمن عليها وتقول: جزء يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ولنحو ذلك ليس له قوة على سمعه، وهذا بالنسبة إلى أول مراتب ظهوره فلا يرد أنه يلزم على ما ذكر أن الشياطين لا يسمعون آيات القرآن إذا تلوناها ولا يحفظونها وليس كذلك.
نعم ذكر أنهم لا يقدرون أن يسمعوا آية الكرسي. وآخر البقرة وذلك لخاصية فيهما * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء: 214) فيه إشارة إلى أن النسب إذا لم ينضم إليه الإيمان لا ينفع شيئا، ولما كان حجاب القرابة كثيفا أمر صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) * (الشعراء: 215) هم أهل النسب المعنوي الذي هو أقرب من النسب الصوري كما أشار إليه ابن الفارض قدس سره بقوله: نسب أقرب في شرع الهوى * بيننا من نسب من أبوي وأنا أحمد الله تعالى كما هو أهله على أن جعلني من الفائزين بالنسبين حيث وهب لي الإيمان وجعلني من ذرية سيد الكونين صلى الله عليه وسلم فها أنا من جهة أم أبي من ذرية الحسن ومن جهة أبي من ولد الحسين رضي الله تعالى عنهما. نسب كأن عليه من شمس الضحى * نورا ومن فلق الصباح عمودا والله عز وجل هو ولي الإحسان المتفضل بصنوف النعم على نوع الإنسان والصلاة والسلام على سيد العالمين وآله وصحبه أجمعين.
سورة النمل وتسمى أيضا كما في " الدر المنثور " سورة سليمان، وهي مكية كما روي عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، وذهب بعضهم إلى مدنية بعض آياتها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعدد آياتها خمس وتسعون آية حجازي وأربع بصري وشامي وثلاث كوفي، ووجه اتصالها بما قبلها أنها كالتتمة لها حيث زاد سبحانه فيها ذكر داود. وسليمان وبسط فيها قصة لوط عليه السلام أبسط مما هي قبل وقد وقع فيها * (إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا) * (النمل: 7) الخ وذلك كالتفصيل لقوله سبحانه فيما قبل: * (فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) * (الشعراء: 21) وقد اشتمل كل من السورتين على ذكر القرآن وكونه من الله تعالى وعلى تسليته صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك، وروي عن ابن عباس. وجابر بن زيد أن الشعراء نزلت ثم طس ثم القصص.
بسم الله الرحم‍ان الرحيم * (طس) * قرىء بالإمالة وعدمها، والكلام فيه كالكلام في نظائره من الفواتح.
* (طستلك ءاي‍ات القرءان وكت‍ابمبين) * * (تلك) * إشارة إلى السورة المذكورة، وأداة البعد للإشارة إلى بعد المنزلة في الفضل والشرف أو إلى
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»