تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ١٥١
على ما قال الرافعي دون إثم المنشد، وقال الأذرعي: ليس هذا على إطلاقه بل إذا استوى الحاكي والمنشد أما إذا أنشده ولم يذعه فأذاعه الحاكي فاثمه أشد بلا شك، واحترز بقيد المسلم عما فيه الهجو لكافر فإن فيه تفصيلا.
وفصل بعضهم ما فيه الهحجو لمسلم أيضا وذلك أن كثيرا من العلماء أطلقوا جواز هجو الكافر استلالا بأمر صلى الله عليه وسلم حسانا ونحوه بهجو المشركين، وقال بعضهم: محل ذلك الكفار على العموم وكذا المعين الحربي ميتا كان أو حيا حيث لم يكن له قريب معصوم يتأذى به، وأما الذمي أو المعاهد أو الحربي الذي له قريب ذمي أو مسلم يتأذى به فلا يجوز هجوه كما قاله الأذرعي. وابن العماد. وغيرهما؛ وقالوا: إن هجو حسان وإن كان في معين لكنه في حربي، وعلى التنزل فهو ذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون عن القرب فضلا عن المبحات، وألحق الغزالي وتبعه جمع المبتدع بالحربي فيجوز هجوه ببدعته لكن لمقصد شرعي كالتحذير من حجهته، وجوز ابن العماد هجو المرتد دون تارك الصلاة والزاني المحصن، وما قاله في المرتد واضح لأنه كالحربي بل أقبح وفي الأخيرين محله حيث لم يتجاهر أما المتجاهر بفسقه فيجوز هجوه بمال تجاهر به فقط لجواز غيبته بذلك فقط.
وقال البلقيني: الأرجح تحريم هجو المتجاهر المذكور لا لقصد زجره لأنه قد يتوب وتبقى وصمة الشعر السائر عليه ولا كذلك الكافر إذا أسلم. ورد بأن مجاهرته بالمعصية وعدم مبالاته بالناس وكلامهم فيه صيراه غير محترم ولا مراعى فهو المهدر لحرمة نفسه بالنسبة لما تجاهر به فلم يبال ببقاء تلك الوصمة عليه.
نعم لو قيل بحرمة إنشاده بعد التوبة إذا كان يتأذى به هو أو قريبة المسلم أو الذمي أو بعد موته إذا كان يتأذى به من ذكر لم يبعد، وذكر جماعة أن من جملة المحظور أيضا ما فيه تشبيب بغلام ولو غير معين مع ذكر أنه يعشقه أو بامأرة أجنبية معينة وإن لم يذكرها بفحش أو بامرأة مبهمة مع ذكرها بالفحش ولم يفرقوا بين إنشاء ذلك وإنشاده، واعتبر بعضهم التعيين في الغلام كالمرأة فلا يحرم التشبيب بمبهم.
قال الأذرعي وهو الأقرب والأول ضعيف جدا، وقال أيضا: يجب القطع بأنه إذا شبب بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئا من التشبيهات الظاهرة أنه لا يضر وكذا إذا ذكر امرأة مجهولة ولم يذكر سوءا.
وفي الأحياء في حرمة التشبيب بنحو وصف الخدود والإصداغ وسائر أوصاف النساء نظر، والصحيح أنه لا يحرم نظمه ولا إنشاده بصوت وغير صوت، وعلى المستمع أن ينزله على امرأة معينة فإن نزله على حليلته جاز أو على غيرها فهو العاصي بالتنزيل ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع، وذكر بعض الفضلاء أن ما يحرم إنشاؤه قد لا تحرم روايته فإن المغازي روى فيها قصائد الكفار الذين هاجوا فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر ذلك أحد، وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم إذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يومي بدر. وأحد وغيرهما إلا قصيدة ابن أبي الصلت الحائية انتهى، قال الأذرعي: ولا شك في هذا إذا لم يكن فيه فحش ولا أذى لحي ولا ميت من المسلمين ولم تدع حاجة إليه، وقد ذم العلماء جريرا. والفرزدق في تهاجيهما ولم يذموا من استشهد بذلك على إعراب وغيره من علم اللسان، ويجب حمل كلام الأئمة على غير ذلك مما هو عادة أهل اللعب والبطالة وعلى إنشاد شعر شعراء العصر إذا كان إنشاؤه حراما إذ ليس فيه إلا أذى أو وقيعة في الأحياء
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»