والظاهر الموافقة، وأيضا لا يكاد يسلم أن الغالب عدم رغبة من شأنه الزنا في نكاح العفائف ورغبته في الزواني أو المشركات فكثيرا ما شاهدنا كثيرا من الزناة يتحرون في النكاح أكثر من تحري غيرهم فلا يكاد أحدهم ينكح من في أقاربها شبهة زنا فضلا عن أن تكون فيها وقليلا ما سمعنا برغبة الزاني في نكاح زانية أو مشركة، وأيضا في حمل التحريم على التنزيه نوع بعد وكذا حمله على ظاهره مع التزام أن الحرمة ليست راجعة إلى نفس العقد.
وفي البحر روي عن ابن عمر. وابن عباس. وأصحابه أن الآية في قوم مخصوصين كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كان من عادتهن الإنفاق على من تزوجهن فنزلت الآية لذلك، والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك القوم أطلق عليه اسم الزنا الذي كان في الجاهلية للتوبيخ، ومعنى * (لا ينكح إلا زانية أو مشركة) * لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة أي لا تزع نفسه إلا إلى هذه الخسائس لقلة انضباطها، والإشارة - بذلك - إلى نكاح أولئك البغايا والتحريم على ظاهره. ويريد على هذا التأويل أن الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك انتهى.
وأنت تعلم أن هذا لا يرد بعد حمل نفي النكاح على نفي إرادة التزوج إذ يكون المعنى حينئذ الزانية لا يريد أن يتزوجها إلا زاني أو مشرك وليس في الإجماع ما يأباه، وفيه أيضا كلام ستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى، نعم كون * (الزاني) * إشارة إلى أح أولئك القوم وهم من المهاجرين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كما جاء في آثار كثيرة وقد أسلموا وتابوا من الزنا محل تردد إذ يبعد كل البعد أن يسم الله عز وجل بالزنا صحابيا كان قد زنى قبل إسلامه ثم أسلم وتاب فخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويطلق سبحانه عليه هذا الوصف الشنيع الذي غفره تبارك وتعالى له بمجرد أنه مال إلى نكاح زانية بسبب ما به من الفقر قبل العلم بحظر ذلك مع أنهم كانوا نادين على فراق من ينكحونهن إذا وجدوا عنهن غنى.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنه قال: لما قدم المهاجرون المدينة قدموها وهم بجهد إلا قليل منهم والمدينة غالية السعر شديدة الجهد وفي السوق زوان متعالنات من أهل الكتاب واماء لبعض الأنصار قد رفعت كل امرأة منهن على بابها علامة لتعرف أنها زانية وكن من أخصب أهل المدينة وأكثرهم خيرا فرغب أناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن للذي فيهم من اجلهد فأشار بعضهم على بعض لو تزوجنا بعض هؤلاء الزواني فنصيب من فضول ما يكتسبن فقال بعضهم: نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتوه فقالوا: يا رسول الله قد شق علينا الجهد ولا نجد ما نأكل وفي السوق بغايا نساء أهل الكتاب وولائدهن وولائد الأنصار يكتسبن لأنفسهن فيصلح لنا أن نتزوج منهن فنصيب من فضول ما يكتسبن فإذا وجدنا عنهن غنى تركناهن فأنزل الله تعالى الآية، وأيضا اطلاق الزاني عليه بهذا المعنى لا يوافق اطلاق الزانية على احد صاحبات الرايات، وكذا لا يوافق اطلاق الزاني على من أطلق عليه في قوله سبحانه: * (الزانية والزاني فاجلدوا) * الخ.
وقال أبو مسلم وأبو حيان. وأخرجه أبو داود في ناسخه. والبيهقي في سننه، والضياء في المختارة. وجماعة من طريق ابن جبير عن ابن عباس أن النكاح بمعنى الوطء أي الزنا و * (ذلك) * إشارة إليه، والمعنى الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية أو أخس منها وهي المشركة والزانية لا يطأها حين زناها إلا زان