ينطق بالحق ويظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد فيجزون بها كما ينبىء عنه ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: * (قد كانت آياتي تتلى عليكم) * (المؤمنون: 66) الخ، وقيل: الإشارة إلى القرآن الكريم وما بين فيه مطلقا وروي ذلك عن مجاهد، وقيل: إلى ما عليه أولئك الموصوفون بالأعمال الصالحة وروي هذا عن قتادة، وقيل: إلى الدين بجملته، وقيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأول أظهر * (ولهم أعمال) * سيئة كثيرة * (من دون ذلك) * الذي ذكر من كون قلوبهم في غمرة مما ذكر وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها طعنهم في القرآن الكريم المشار إليه في قوله تعالى: * (مستكبرين به سامرا تهجرون) * (المؤمنون: 67).
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن ابن عباس أن المراد بالغمرة الكفر والشك وأن * (ذلك) * إشارة إلى هذا المذكور، والمعنى لهم أعمال دون الكفر. وأخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة أن * (ذلك) * كهذا إشارة إلى ما وصف به المؤمنون من الأعمال الصالحة أي لهم أعمال متخطية لما وصف به المؤمنون أي أضداد ما وصفوا به مما وقع في حيز الصلات وهذا غاية الذم لهم * (هم لها عاملون) * أي مستمرون عليها معتادون فعلها ضارون بها لا يفطمون عنها و * (عاملون) * عامل في الضمير قبله واللام للتقوية، هذا وقال أبو مسلم: إن الضمير في قوله تعالى: * (بل هم) * الخ عائد على المؤمنين الموصوفين بما تقدم من الصفات كأنه سبحانه قال بعد وصفهم: ولا نكلف نفسا إلا وسعها ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون ولدينا كتاب يحفظ أعمالهم ينطق بالحق فلا يظلمون بل يوفى عليهم ثواب أعمالهم، ثم وصفهم سبحانه بالحيرة في قوله تعالى: * (بل قلوبهم في غمرة) * (المؤمنون: 63) فكأنه عز وجل قال: وهم مع ذلك الوجل والخوف كالمتحيرين في أعمالهم أهي مقبولة أم مردودة ولهم أعمال من دون ذلك أي لهم أيضا من النوافل ووجوه البر سوى ما هم عليه انتهى، قال الإمام: وهو الأولى لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما يتصل به من ذكر المشفقين كان أولى من رده إلى ما بعد منه خصوصا وقد يرغب المرء في فعل الخير بأن يذكر أن أعماله محفوظة كما يحذر بذلك من الشر، وقد يوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ويراد أنه قد استولى عليه الفكر في قبول عمله أورده وفي أنه هل أداه كما يجب أو قصر، و * (هذا) * على هذا إشارة إلى إشفاقهم ووجلهم انتهى، ولا يخفى ما فيه على من ليس قلبه في غمرة.
* (حتى إذآ أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجارون) *.
* (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) * * (حتى) * على ما في " الكشاف " هي التي يبتدأ بعدها الكلام وهي مع ذلك غاية لما قبلها كأنه قيل: لا يزالون يعملون أعمالهم إلى حيث إذا أخذنا الخ، وقال ابن عطية: هي ابتداء لا غير، و * (إذا) * الأولى والثانية يمنعان من أن تكون غاية لعاملون وفيه نظر، و * (إذا) * شرطية شرطها * (أخذنا) * وهي مضافة إليه وجزاؤها قوله تعالى: * (إذا هم يجئرون) * وهي معمولة له وإذا فيه فجائية نائبة مناب الفاء، وقال الحوفي: حتى غاية وهي عاطفة وإذا ظرف يضاف إلى ما بعده فيه معنى الشرط وإذا الثانية في موضع جواب الأولى ومعنى الكلام عامل في إذا الأولى والعامل في الثانية * (أخذنا) * انتهى.
وهو كلام مخبط يبعد صدوره من مثل هذا الفاضل، والمترف المتوسع في النعمة. والمراد بالعذاب ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر كما روي عن ابن عباس. ومجاهد. وابن جبير. وقتادة، وقد قتل وأسر في ذلك اليوم كثير من صناديدهم ورؤسائهم. والجؤار مثل الخوار يقال جأر الثور يجأ إذا صاح وجأر الرجل إلى