كالرياء بالعبادة كذا قيل، وقد اختار بعض المحققين التعميم أي لا يشركون به تعالى شركا جليا ولا خفيا ولعله الأولى، ولا يغني عن ذلك وصفهم بالإيمان بآيات الله تعالى.
وجوز أن يراد مما سبق وصفهم بتوحيد الربوبية ومما هنا وصفهم بتوحيد الألوهية، ولم يقتصر على الأول لأن أكثر الكفار متصفون بتوحيد الربوبية * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25) ولا يأباه التعرض لعنوان الربوبية فإنه في المواضع الثلاثة للإشعار بالعلية وذلك العنوان يصلح لأن يكون علة لتوحيد الألوهية كما لا يخفى.
* (والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) *.
* (والذين يؤتون ما ءاتوا) * أي يعطون ما أعطوا من الصدقات * (وقلوبهم وجلة) * خائفة من أن لا يقبل منهم وأن لا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به. وقرأت عائشة. وابن عباس. وقتادة. والأعمش. والحسن والنخعي * (يأتون ما أتوا) * من الإتيان لا الإيتاء فيهما. وأخرج ابن مردويه. وسعيد بن منصور عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ كذلك وأطلق عليها المفسرون قراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنون أن المحدثين نقلوها عنه صلى الله عليه وسلم ولم يروها القراء من طرقهم. والمعنى عليها يفعلون من العبادات ما فعلوه وقلوبهم وجلة، وروي نحو هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد أخرج أحمد. والترمذي. وابن ماجه. والحاكم وصححه. وابن المنذر. وابن جرير. وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله قول الله * (والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) * أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله تعالى؟ قال: لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله تعالى أن لا يتقبل منه، وجملة * (قلوبهم وجلة) * في القراءتين في موضع الحال من ضمير الجمع في الصلة الأولى، والتعبير بالمضارع فيها للدلالة على الاستمرار وفي الثانية للدلالة على التحقق، وقوله تعالى: * (أنهم إلى ربهم راجعون) * بتقدير اللام التعليلية وهي متعلقة بوجلة أي خائفة من عدم القبول وعدم الوقوع على الوجه اللائق لأنهم راجعون إليه تعالى ومبعوثون يوم القيامة وحينئذ تنكشف الحقائق ويحتاج العبد إلى عمل مقبول لائق * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (الزلزلة: 7، 8).
وجوز أن يكون بتقدير من الابتدائية التي يتعدى بها الوجل أي وجلة من أن رجوعهم إليه عز وجل على أن مناط الوجل أن لا يقبل ذلك منهم وأن لا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به حينئذ لا مجرد رجوعهم إليه عز وجل، وقد يؤيد الوجه الأول بقراءة الأعمش * (إنهم) * بكسر الهمزة، ولعل التعبير بالجملة الإسمية المخبر فيها بالوصف دون الفعل المضارع للمبالغة في تحقق الرجوع حتى كأنه من الأمور الثابتة المستمرة كذا قيل.
وجوز على بعد أن يكون المراد من الرجوع المذكور الرجوع إليه عز وجل بالعبودية، فوجه التعبير بالجملة الاسمية عليه أظهر من أن يخفى، ووجه تعليل الخوف من عدم القبول وعدم وقوع فعلهم كائنا ما كان على الوجه اللائق بأنهم راجعون إليه تعالى بالعبودية عدم وجوب قبول عملهم عليه تعالى حينئذ لأنه سبحانه مالك وللمالك أن يفعل بملكه ما يشاء وظهور نقصهم كيف كانوا عن كماله جل جلاله والناقص مظنة أن لا يأتي بما يليق بالكامل لا سيما إذا كان ذلك الكامل هو الله عز وجل الذي لا يتناهى كماله ولا أراك ترى في هذا