تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٥٠
يشمل القليل والكثير باعتبار أصله؛ ولا يخفى أن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر ومنه العافية والعاقبة.
والسمر في الأصل ظل القمر وسمي بذلك على ما في المطلع لسمرته، وفي البحر هو ما يقع على السجر من صوء القمر، وقال الراغب: هو سواد الليل ثم أطلق على الحديث بالليل. وفسر بعضهم السامر بالليل المظلم، وكونه هنا بهذا المعنى وجعله منصوبا بما بعده على نزع الخافض ليس بشيء. وقرأ ابن مسعود. وابن عباس. وأبو حيوة. وابن محيصن. وعكرمة. والزعفراني. ومحبوب عن أبي عمرو " سمرا " بضم السين وسد الميم مفتوحة جمع سامر، وابن عباس أيضا. وزيد بن علي. وأبو رجاء. وأبو نهيك " سمارا " بزيادة ألف بعد الميم وهو جمع سامر أيضا وهما جمعان مقيسان في مثل ذلك * (تهجرون) * من الهجر بفتح فسكون بمعنى القطع والترك، والجملة في موضع الحال أي تاركين الحق أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بن عباسلأتهجرون البيت ولا تعمرونه بما يليق به من العبادة. وجاء الهجر بمعنى الهذيان كما في الصحاح يقال: هجر المريض يهجر هجرا إذا هذي، وجوز أن يكون المعنى عليه أي تهذون في شأن القرآن أو النبي عليه الصلاة والسلام أو أصحابه رضي الله تعالى عنهم أو ما يعم جميع ذلك. وفي الدر المصون ان ما كان بمعنى الهذيان هو الهجر بفتحتين.
وجوز أن يكون من الهجر بضم فسكون وهو الكلام القبيح، قال الراغب: الهجر الكلام المهجور لقبحه وهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد وأهجر المريض إذا أتى بذلك من غير قصد. وفي المصباح هجر المريض في كلامه هذي والهجر بالضم اسم ومصدر بمعنى الفحش من هجر كقتل وفيه لغة أخرى أهجر بالألف وعلى هذه اللغة قراءة ابن عباس. وابن محيصن. ونافع. وحميد * (تهجرون) * بضم التاء وكسر الجيم وهي تبعد كون * (تهجرون) * في قراءة الجمهور من الهجر بمعنى القطع.
وقرأ ابن أبي عاصم بالياء على سبيل الالتفات. وقرأ ابن مسعود. وابن عباس أيضا. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم، وعكرمة. وأبو نهيك. وابن محيصن أيضا. وأبو حيوة * (تهجرون) * بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم وشدها على أنه من مضاعف هجر من الهجر بالفتح أو بالضم فالمعنى تقطعون أو تهذون أو تفحشون كثيرا.
* (أفلم يدبروا القول أم جآءهم ما لم يأت ءابآءهم الاولين) *.
* (أفلم يدبروا القول) * الهمزة لانكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي افعلوا ما فعلوا من النكوس والاستكبار والهجر فلم يتدبروا القرآن ليعلموا بما فيه من وجوه الإعجاز أنه الحق من ربهم فيؤمنوا به، و " أم " في قوله تعالى: * (أم جاءهم ما لم يأت ءاباءهم الأولين) * منقطعة، وما فيها من معنى بل للإضراب والانتقال من التوبيخ بما ذكر إلى التوبيخ بآخر، والهمزة لإنكار الوقوع لا لإنكار الواقع أي بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين حتى استبعدوه فوقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال بمعنى أن مجيء الكتب من جهته تعالى إلى الرسل عليهم السلام لينذروا بها الناس سنة قديمة له تعالى لا تكاد تنكر وأن مجيء القرآن على طريقته فمم ينكرونه، وقيل: المعنى أفلم يتدبروا القرآن ليخافوا عند تدبر آياته وأقاصيصه مثل ما نزل بمن قبلهم من المكذبين أم جاءهم من الأمن ما لم يأت آباءهم الأولين حين خافوا الله تعالى فآمنوا به وبكتبه ورسله وأطاعوه فالمراد بآباءهم المؤمنون كاسمعيل عليه السلام. وعدنان وقحطان، وكأن وصفهم بالأولين على هذا لإخراج الأقربين.
/
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»