تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٠٥
الآية وكأن ضحك ابن مسعود كان استغرابا لذلك وسكوته بعد الاستدلال ظاهر في ارتضائه لما فهمه معدن سر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآية. و * (من) * تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية وجملة * (من كفر) * الخ قيل معطوفة على جملة * (وعد الله) * الخ أو على جملة محذوفة كأنه قيل: من آمن فهم الفائزون ومن كفر الخ، وقيل: إن هذه الجملة وكذا جملة * (يعبدونني) * استئناف بياني أما ذلك في الأول فالسؤال ناشىء من قوله تعالى: * (وعد الله) * الخ فكأنه قيل: فما ينبغي للمؤمنين بعد هذا الوعد الكريم أو بعد حصوله؟ فقيل: يعبدونني لا يشركون بي شيئا. وأما في الثانية فالسؤال ناشىء من الجواب المذكور فكأنه قيل فإن لم يفعلوا فماذا؟ فقيل: ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وجزاؤهم معلوم وهو كما ترى.
هذا واستدل كثير بهذه الآية على صحة خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم لأن الله تعالى وعد فيها من في حضرة الرسالة من المؤمنين بالاستخلاف وتمكين الدين والأمن العظيم من الأعداء ولا بد من وقوع ما وعد به ضرورة امتناع الخلف في وعده تعالى ولم يقع ذلك المجموع إلا في عهدهم فكان كل منهم خليفة حقا باستخلاف الله تعالى إياه حسبما وعد جل وعلا ولا يلزم عموم الاستخلاف لجميع الحاضرين المخاطبين بل وقوعه فيهم كبنو فلان قتلوا فلانا فلا ينافي ذلك عموم الخطاب الجميع، وكون من بيانية، وكذا لا ينافيه ما وقع في خلافة عثمان. وعلي رضي الله تعالى عنهما من الفتن لأن المراد من الأمن الأمن من أعداء الدين وهم الكفار كما تقدم.
وأقامها بعض أهل السنة دليلا على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة، ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه لأنها مسلمة عند الشيعة والأدلة كثيرة عند الطائفتين على من ينكرها من النواصب عليهم من الله تعالى ما يستحقون فقال: إن الله تعالى وعد فيها جمعا من المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت نزولها بما وعد من الاستخلاف وما معه ووعده سبحانه الحق ولم يقع ذلك إلا في عهد الثلاثة، والإمام المهدي لم يكن موجودا حين النزول قطعا بالإجماع فلا يمكن حمل الآية على وعده بذلك، والأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان موجدا إذ ذاك لكن لم يرج الدين المرضى كما هو حقه في زماه رضي الله تعالى عنه بزعم الشيعة بل صار أسوأ حالا بزعمهم مما كان في عهد الكفار كما صرح بذلك المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام بل كل كتب الشيعة تصرح بأن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم ويظهرون دين المخالفين تقية ولم يكن الأمن الكامل حاصلا أصلا في زمانه رضي الله تعالى عنه فقد كان أهل الشام ومصر والمغرب ينكرون أصل إمامته ولا يقبلون أحكامه وهم كفرة بزعم الشيعة وأغلب عسكر الأمير يخافونهم ويحذرون غاية الحذر منهم، ومع هذا الأمير فرد فلا يمكن إرادته من الذين آمنوا ليكون هو رضي الله تعالى عنه مصداق الآية كما يزعمون فإن حمل لفظ الجمع على واحد خلاف أصولهم إذ أقل الجمع عندهم ثلاثة أفراد، وأما الأئمة الآخرون الذين ولدوا بعد فلا احتمالا لإرادتهم من الآية إذ ليسوا بموجودين حال نزولها ولم يحصل لهم التسلط في الأرض ولم يقع رواج دينهم المرتضى لهم وما كانوا آمنين بل كانوا خائفين من أعداء الدين متقين منهم كما أجمع عليه الشيعة فلزم أن الخلفاء الثلاثة هم مصداق الآية فتكون خلافتهم حقة وهو المطلوب.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»