الحقيقة فتعم والعموم من المسوغات، ولم تعرف لئلا يتوهم أن تعريفها للعهد، والجملة تعليل لنهي أي لا تقسموا فإن الطاعة معروفة منكم ومن غيركم لا تخفى فقد جرت سنة الله تعالى على أن العبد وإن اجتهد في إخفاء الطاعة لا بد وأن يظهر سبحانه مخايلها على شمائلها، وكذا المعصية فلا فائدة في إظهار ما يخالف الواقع، وفي الأحاديث ما يشهد لما ذكر، فقد روى الطبراني عن جندب * (ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله تعالى رداءها) * وروى الحاكم وقال: صحيح الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله لإنسان كائنا من كان " وهذاالمعنى على ما قيل حسن لكنه خلاف الظاهر.
وقرأ زيد بن علي. واليزيدي * (طاعة معروفة) * بالنصب على تقدير تطيعون طاعة معروفة نفاقية، وقيل أطيعوا طاعة معروفة حقيقية وطاعة بمعنى إطاعة كما في قوله تعالى: * (أنبتكم من الأرض نباتا) * (نوح: 17) * (إن الله خبير بما تعملون) * من الأعمال الظاهرة والباطنة التي من جملتها ما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالايمان الفاجرة وما تضمرونه من الكفر والنفاق والعزيمة على مخادعة المؤمنين وغيرها من فنون الشر والفساد والمراد الوعيد بأنه تعالى مجازيهم بجميع أعمالهم السيئة التي منها نفاقهم، وفي الإرشاد أن الجملة تعليل للحكم بأن طاعتهم طاعة نفاقية مشعر بأن مدار شهرة أمرها فيما بين المؤمنين إخباره تعالى بذلك ووعيد لهم بالمجازاة.
* (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *.
* (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * كرر الأمر بالقول لإبراز كمال العناية به والإشعار باختلافهما حيث أن المقول الأول نهى بطريق الرد والتبكيت، وفي الثاني أمر بطريق التكليف والتشريع، وفي تكرر فعل الإطاعة والعدول عن أطيعوني إلى أطيعوا الرسول ما لا يخفى من الحث على الطاعة وإطلاقها عن وصف الصحة والإخلاص ونحوهما بعد وصف طاعتهم بما تقدم للتنبيه على أنها ليست من الطاعة في شيء.
وقوله تعالى: * (فإن تولوا) * خطاب للمنافقين الذين أمر عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم ما سمعت وارد من قبله عز وجل غير داخل في حيز * (قل) * على ما اختاره صاحب التقريب وغيره وفيه تأكيد للأمر السابق والمبالغة في إيجاب الامتثال به والحمل عليه بالترتيب والترغيب لما أن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبىء عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم ويستجلب مزيد رغبة فيه من السامع لا سيما إذا كان ذلك بتغيير الخطاب بالواسطة بالذات كما هنا، والفاء لترتيب ما بعدها على تبليغه عليه الصلاة والسلام للمأمور به إليهم، وعدم التصريح للإيذان بغاية مسارعته صلى الله عليه وسلم إلى تبليغ ماأمر به وعدم الحاجة إلى الذكر أي إن تتولوا عن الطاعة إثر ما أمركم الرسول صلى الله عليه وسلم بها * (فإنما عليه) * أي على الرسول عليه الصلاة والسلام * (ما حمل) * أي ما أمر به من التبليغ وقد شاهدتموه عند قوله * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * * (وعليكم ما حملتم) * أي ما أمرتم به من الطاعة، ولعل التعبير بالتحميل أولا للإشعار بثقل الوحي في نفسه، وثانيا للإشعار بثقل الأمر عليهم، وقيل: لعل التعبير بذلك في جانبهم للإشعار بثقه وكون مؤنه باقية في عهدتهم بعد كأنه قيل: وحيث توليتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل؛ والتعبير به في جانبه عليه الصلاة والسلام للمشاكلة والفاء واقعة في جواب الشرط وما بعدها قائم مقام الجواب أو جواب على حد ما في قوله تعالى: * (وما بكم من