تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٩٤
لا تغليب في * (من) * الأولى والثالثة بل هو في الثانية فقط، وقد يقال: لا تغليب في الثلاثة بعد اعتباره في الضمير فتدبر. وترتيب الأصناف حسبما رتبت لتقديم ما هو أعرف في القدرة؛ ولا ينافي ذلك كون المشي على البطن بمعنى الزحف مجازا كما توهم، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتفخيم شأن الخلق المذكور والإيذان بأنه من أحكام الألوهية، والإظهار في قوله سبحانه: * (إن الله على كل شيء قدير) * أي فيفعل ما يشاء كما يشاء لذلك أيضا مع تأكيد استقلال الاستئناف التعليلي.
* (لقد أنزلنآ ءاي‍ات مبين‍ات والله يهدى من يشآء إلى صراط مستقيم) *.
* (لقد أنزلنا ءايات مبينات) * أي لكل ما يليق بيانه من الأكام الدينية والأسرار التكوينية أو واضحات في أنفسها، وهذا كالمقدمة لما بعده ولذا لم يأت بالعاطف فيه كما أتى سبحانه به فيما مر من قوله تعالى: * (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذي خلوا) * (النور: 34) الآية، ومن اختلاف المساق يعلم وجه ذكر * (إليكم) * هناك وعدم ذكره هنا.
* (والله يهدي من يشاء) * هدايته بتوفيقه للنظر الصحيح فيها والتدبر لمعانيها * (إلى صراط مستقيم) * موصل إلى حقيقة الحق والفوز بالجنة.
* (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذالك ومآ أول‍ائك بالمؤمنين) *.
* (ويقولون ءامنا بالله وبالرسول) * شروع في بيان أحوال بعض من لم يشأ الله تعالى هدايته إلى صراط مستقيم وهم صنف من الكفرة الذي سبق وصف أعمالهم. أخرج ابن المنذر. وغيره عن قتادة أنها نزلت في المنافقين وروى عن الحسن نحوه، وقيل نزلت في بشر المنافق دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا هو اليهودي إلى كعب بن الأشرف ثم تحاكما إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فحكم لليهودي فلم يرض المنافق بقضائه عليه الصلاة والسلام وقال: نتحاكم إلى عمر رضي الله تعالى عنه فلما ذهبا إليه قال له اليهودي: قضى لي النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرض بقضائه فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ فقال: نعم فقال: مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل رضي الله تعالى عنه بيته وخرج بسيفه فضرب عنق ذلك المنافق حتى برد وقال: هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فنزلت، وقال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق والباطل فسمى لذلك الفاروق، وروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقال الضحاك: نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي كرم الله تعالى وجهه خصومة في أرض فتقاسما فوقع لعلي ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة فقال المغيرة: بعني أرضك فباعهاأياه وتقابضا فقيل للمغيرة: أخذت سبخة لا ينالها الماء فقال لعلي كرم الله تعالى وجهه: اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فإن الماء لا ينالها فقال علي: قد اشتريت ورضيتها وقبضتها وأنت تعرف حالها لا أقبلها منك ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما محمد فلست آتيه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت، وعلى هذا وما قبهل جميع الضمير لعموم الحكم أو لأن مع القائل طائفة يساعدونه ويشايعونه في تلك المقالة كما في قولهم بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم، وإعادة الباء للمبالغة في دعوى الإيمان وكذا التعبير عنه صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسول وقولهم مع ذلك * (وأطعنا) * أي وأطعنا الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي * (ثم يتولى) * أي يعرض عما يقتضيه هذا القول من قبول الحكم الشرعي عليه * (فريق منهم من بعد ذالك) * أي من بعدما صدر عنهم من ادعاء الايمان بالله تعالى وبالرسول صلى الله عليه وسلم والطاعة لهما، وما في ذلك من معنى البعد للإيذان بكونه أمرا معتدا به واجب المراعاة * (وما أول‍ائك) * إشارة إلى القائلين * (آمنا) * الخ وهم المنافقون
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»