تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢١٠
عنه غلاما من الأنصار يقال له مدلج وكان رضي الله تعالى عنه نائما فدق عليه الباب ودخل فاستيقظ وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر رضي الله تعالى عنه: لوددت أن الله تعالى نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن فانطلق معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد نزلت فخر ساجدا، وهذا أحد موافقات رأيه الصائب رضي الله تعالى عنه للوحي، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات فيغتسلوا ثم يخرجون إلى الصلاة فأمرهم الله تعالى أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن بقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * ويعلم منه أن الأمر في قوله سبحانه: * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم) * وإن كان في الظاهر للمملوكين والصبيان لكنه في الحقيقة للمخاطبين فكأنهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان وبهذا ينحل ما قيل: كيف يأمر الله عز وجل من لم يبلغ الحلم بالاستئذان وهو تكليف ولا تكليف قبل البلوغ، وحاصله أن الله تعالى لم يأمره حقيقة وإنما أمر سبحانه الكبير أن يأمره بذلك كما أمره أن يأمره بالصلاة، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين " وأمره بما ذكر ونحوه من باب التأديب والتعليم ولا إشكال فيه، وقيل: الأمر للبالغين من المذكورين على الحقيقة ولغيرهم على وجه التأديب، وقيل: هو للجميع على الحقيقة والتكليف يعتمد التمييز ولا يتوقف على البلوغ فالمراد بالذين لم يبلغوا الحلم المميزون من الصغار وهو كما ترى. واختلف في هذا الأمر فذهب بعض إلى أنه للوجوب، وذهب الجمهور إلى أنه للندب وعلى القولين هو محكم على الصحيح وسيأتي تمام الكلام في ذلك، والجمهور على عموم * (الذين ملكت أيمانكم) * في العبيد والإماء الكبار والصغار، وعن ابن عمر. ومجاهد أنه خاص بالذكور كما هو ظاهر الصيغة وروي ذلك عن أبي جعفر. وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وقال السلمي: إنه خاص بالإناث وهو قول غريب لا يعول عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تخصيصه بالصغار وهو خلاف الظاهر جدا، والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان ذكورا وإناثا على ما يقتضيه ما مر في سابقه عن الجمهور وخص بالمراهقين منهم، و * (منكم) * لتخصيصهم بالأحرار ويشعر به المقابلة أيضا.
وفي " البحر " هو عام في الأطفال عبيدا كانوا أو أحرارا، وكني عن القصور عن درجة البلوغ بما ذكر لأن الاحتلام أقوى دلائله، وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا احتلم الصبي فقد بلغ، واختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم فقال أبو حنيفة في المشهور: لا يكون بالغا حتى يتم له ثماني عشرة سنة وكذا الجارية إذ لم تحتلم أو لم تحض أو لم تحبل لا تكون بالغة عنده حتى يتم لها سبع عشرة سنة، ودليله قوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) * (الأنعام: 152) وأشد الصبي كما روي عن ابن عباس وتبعه القتيبي ثماني عشرة سنة وهو أقل ما قيل فيه فيبنى الحكم عليه للتيقن به غير أن الإناث نشؤهن وإدراكهن أسرع فنقص في حقهن سنة لاشتمالها على الفصول الأربعة التي يوافق واحد منها المزاج لا محالة، وقال صاحباه. والشافعي. وأحمد: إذا بلغ الغلام والجارية خمس عشرة سنة فقد بلغا وهو رواية عن الإمام رضي الله تعالى عنه أيضا وعليه الفتوى.
ولهم أن العادة الفاشية أن لا يتأخر البلوغ فيهما عن هذه المدة وقيدت العادة بالفاشية لأنه قد يبلغ الغلام في اثنتي عشرة سنة وقد تبلغ الجارية في تسع سنين، واستدل بعضهم على ما تقدم بما روى ابن عمر رضي الله تعالى
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»