تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢٠٧
والذي أميل أليه أن الآية ظاهرة في نزاهة الخلفاء الثلاثة رضي الله تعالى عنهم عما رماهم الشيعة به من الظلم والجور والتصرف في الأرض بغير الحق لظهور تمكين الدين والأمن التام من أعدائه في زمانهم ولا يكاد بحسن الامتنان بتصرف باطل عقباه العذاب الشديد. وكذا لا يكاد يحسن الامتنان بما تضمنته الآية على أهل عصرهم مع كونهم الرؤساء الذين بيدهم الحل والعقد، لو كانوا وحاشاهم كما يزعم الشيعة فيهم، ومتى ثبت بذلك نزاهتهم عما يقولون اكتفينا به وهذا لا يتوقف إلا على اتصافهم بالإيمان والعمل الصالح حال نزول الآية وإنكار الشيعة له إنكار للضروريات، وكون المراد بالآية عليا كرم الله تعالى وجهه أو المهدي رضي الله تعالى عنه أو أهل البيت مطلقا مما لا يقوله منصف.
وفي كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه ما يقتضي بسوقه خلاف ما عليه الشيعة ففي نهج البلاغة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لما استشار الأمير كرم الله تعالى وجهه لانطلاقه لقتال أهل فارس حين تجمعوا للحرب قال له: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولأخذ لأنه بكثرة ولا بقلة وهو دين الله تعالى الذي أظهره وجنده الذي أعزه وأيده حتى بلغ ما بلغ وطلح حيث طلح ونحن على موعود من الله تعالى حيث قال عز اسمه * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) * والله تعالى منجز وعده وناصر جنده ومكان القيم في الإسلام مكان النظام من الخرز فإن انقطع النظام تفرق ورب متفرق لم يجتمع والعرب اليوم وإن كانوا فليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض تنقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك وكان قد آن للاعاجم أن ينظروا إليك غدا يقولون هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك فأما ما ذكرت من عددهم فأنا لم نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة اه‍ فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك.
* (وأقيموا الصلواة وآتوا الزكواة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) *.
* (وأقيموا الصل‍اوة وءاتوا الزك‍اوة وأطيوا الرسول) * جوز أن يكون عطفا على * (أطيعوا الله) * داخلا معه في حيز القول والفاصل ليس بأجنبي من كل وجه فإنه وعد على المأمور به وبعضه من تتمته. وفي الكشاف ليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه والفاصل يؤكد المغايرة ويرشحها لأن المجاورة مظنة الاتصال والاتحاد فيكون تكرير الأمر بإطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام للتأكيد، وأكد دوشن الأمر بطاعة الله تعالى لما أن في النفوس لا سيما نفوس العرب من صعوبة الانقياد للبشر ما ليس فيها من صعوبة الانقاد لله تعالى ولتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه وهي الجمل الواقعة في حيز القول بقوله تعالى: * (لعلكم ترحمون) * كما علق الاهتداء بالإطاعة في قوله تعالى: * (وآن تطيعوه تهتدوا) * والانصاف أن هذا العطف بعيد بل قال بعضهم: إنه مما لا يليق بجزالة النظم الكريم.
وجوز أن يكون عطفا على * (يعبدونني) * وفيه تخصيص بعد التعميم، وكان الظاهر أن يقال يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الرسول لعلهم يرحمون، لكن عدل عدن ذلك إلى ما ذكر لخطاب لمزيد الاعتناء وحسنه هنا الخطاب في * (منكم) *. وتعقب بأنه مما لا وجه له لأنه بعد تسليم الالتفات وجواز عطف الإنشاء على الأخبار لا يناسب ذلك؛ وكون الجملة السابقة حالا أو
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»