ما يفيده الكلام من نفي المضرة على أبلغ وجه من غير اعتبار كونه اعتراضا فإن في العطف المذكور ما ستسمعه إن شاء الله تعالى؛ ومن بيانية، ووسط الجار والمجرور بين جملة * (آمنوا) * والجملة المعطوفة عليها الداخلة معها في حيز الصلة أعني [بم قوله تعالى:
* (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذالك فأولائك هم الفاسقون) *.
* (وعملوا الصالحات) * مع التأخير في قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) * (الفتح: 29) قيل للدلالة على أن الأصل في ثبوت الاستخلاف الإيمان، ولهذا كان الأصح عدم الانعزال بالفسق الطارىء ودل عليه صحاح الأحاديث ومدخلية الصلاح في ابتداء البيعة وأما في المغفرة والأجر العظيم فكلاهما أثل فكان المناسب التأخير. وقد يقال: إن ذلك لتعجيل مسرة المخاطبين حيث أن الآية سيقت لذلك، وقيل: الخطاب للمقسمين والكلام تتميم لقوله تعالى: * (وإن تطيعوه تهتدوا) * (النور: 54) ببيان ما لهم في العاجل من الاستخلاف وما يترتب عليه وفي الآجل ما لا يقادر قدره على ما أدمج في قوله سبحانه:
* (لعلكم ترحمون) * (النور: 56) والجار للتبعيض وأمر التوسيط على حاله، ولم يرتضه بعض الأجلة لأن * (آمنوا) * إن كان ماضيا على حقيقته لم يستقم إذ لم يكن فيهم من كان آمن حال الخطاب وإن جعل بمعنى المضارع على المألوف من أخبار الله تعالى فمع نبوه عن هذا المقام لم يكن دليلا على صحة أمر الخلفاء ولم يطابق الواقع أيضا لأن هؤلاء الأجلاء لم يكن من بعض من آمن من أولئك المخاطبين ولا كان في المقسمين من نال الخلافة انتهى، وفيه شيء. ولعله لا يضر بالغرض وارتضى أبو السعود تعلق الكلام بذلك وادعى أنه استئناف مقرر لما في قوله تعالى: * (وإن تطيعوه تهتدوا) * الخ من الوعد الكريم معرب عنه بطريق التصريح ومبين لتفاصيل ما أجمل فيه من فنون السعادات الدينية والدنيوية التي هي من آثار الاهتداء ومتضمن لما هو المراد بالطاعة التي نيط بها الاهتداء وأن المراد بالذين آمنوا كل من اتصف بالإيمان بعد الكفر على الإطلاق من أي طائفة كان وفي أي وقت كان لا من آمن من طائفة المنافقين فقط ولا من آمن بعد نزول الآية الكريمة فحسب ضرورة عموم الوعد الكريم وأن الخطاب ليس للرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين المخلصين أو من يعمهم وغيرهم من الأمة ولا للمنافقين خاصة بل هو لعامة الكفرة وأن من للتبعيض، وقال في نكتة التوسيط: إنه لإظهار إصالة الإيمان وعراقته في استتباع الآثار والأحكام والإيذان بكونه أول ما يطلب منهم وأهم ما يجب عليهم، وأما التأخير في آية سورة الفتح فلأن من هناك بيانية والضمير للذين معه عليه الصلاة والسلام من خلص المؤمنين ولا ريب في أنهم جامعون بين الإيمان والأعمال الصالحة مثابرون عليها فلا بد من ورود بيانهم بعد ذكر نعوتهم الجليلة بكمالها انتهى.
وأنت تعلم أن كون الخطاب لعامة الكفرة خلاف الظاهر، وحمل الفعل الماضي على ما يعم الماضي والمستقبل كذلك وفيما ذكره أيضا بعد عن سبب النزول، فقد أخرج ابن المنذر. والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل. والضياء في المختارة عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله تعالى فنزلت: * (وعد الله الذين ءامنوا منكم) * الآية ولا يتأتى معه الاستدلال بالآية على صحة أمر الخلفاء أصلا، ولعله لا يقول به ويستغنى عنه بما هو أوضح دلالة، وعن ابن عباس. ومجاهد عامة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأطلقا الأمة وهي تطلق على أمة الإجابة وعلى أمة الدعوة لكن