فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذلك صدوا عن حكومتك يدل عليه الإتيان باسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر بلام الجنس وتوسيط ضمير الفصل، ونقل عن الإمام ما يدل على أن أم منقطعة قال: أثبتهم على كل واحد من هذه الأوصاف فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق فكان فيها ارتياب فكانوا يخافون الحيف، ووجه الإضراب أن كلا مسبب عن الآخر علم على وجوده وزيادة، واعترض بأنه لا يجب التسبب إلا أن يدعي في هذه المادة خصوصا، وصرح أبو حيان بأنها منقطعة وبأن الاستفهام للتوقيف والتوبيخ ليقروا بأحد هذه الأوجه التي عليها في الإقرار بها عليهم ويستعمل في الذم والمدح كما في قوله: ألست من القوم الذين تعاهدوا * على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر وقوله: ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح ولا يخفى أن الأظهر أنها متصلة والتلازم بين الأمور الثلاثة ممنوع على أنه لا يضر وأن معنى الآية ما ذكرناه أولا، وتقديم * (عليهم) * على الرسول لتأكيد أن حكمه عليه الصلاة والسلام هو حكم الله تعالى، ووجه اختلاف أساليب الجمل يظهر بأدنى تأمل. [بم وقوله سبحانه:
* (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولائك هم المفلحون) *.
* (إنما كان قول المؤمنين إذ دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) * جار على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي، ونصب * (قول) * على أنه خبر كان وأن مع ما في حيزها في تأويل مصدر اسمها، ونص سيبويه في مثل ذلك على جواز العكس فيرفع * (قول) * على الاسمية وينصب المصدر الحاصل من السبك على الخبرية.
وقد قرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن أبي إسحق: والحسن برفع * (قول) * على ذلك قال الزمخشري: والنصب أقوى لأن الأولى للاسمية ما هو أوغل في التعريف وذلك هو المصدر الذي أول به أن يقولوا لأنه لا سبيل عليه لتلنكير بخلاف * (قول المؤمنين) * فإنه يحتمله كما إذا اختزلت عنه الإضافة، وقيل في وجه أعرفيته أنه لا يوصف كالضمير، ولا يخفى أنه لا دخل له في الأعرفية، ثم أنت تعلم أن المصدر الحاصل من سبك أن والفعل لا يجب كونه مضافا في كل موضع ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى: * (ما كان هذا القرآن أن يفتري) * (يونس: 37) إنه بمعنى ما كان هذا القرآن افتراء. وذكر أن جواز تنكيره مذهب الفارسي وهو متعين في نحو أن يقوم رجل إذ هومؤول قطعا بقيام رجل وهو نكرة بلا ريب. وفي إرشاد العقل السليم أن النصب أقوى صناعة لكن الرفع أقعد معنى وأوفى لمقتضى المقام لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل هو الخبر فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدوث وأوفر اشتمالا على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع ولا ريب في أن ذلك ههنا في أن مع ما في حيزها أتم وأكمل فإذن هو أحق بالخبرية، وأما ما تفيده الإضافة من النسب المطلقة الإجمالية فحيث كانت قليلة الجدوى سهلة الحصول خارجا وذهنا كان حقها أن تلاحظ ملاحظة مجملة وتجعل عنوانا للموضوع فالمعنى إنما كان مطلق القول الصادر عن المئمنين إذا دعوا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم وبين خصومهم أن يقولوا سمعنا الخ أي خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولا آخر أصلا، وأما النصب فالمعنى عليه إنما كان قولا للمؤمنين خصوصية قولهم * (سمعنا) * الخ ففيه من جهل أخص النسبتين وأبعدهما