تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ٢١١
عنهما أنه عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وله أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرض عليه عليه الصلاة والسلام يوم الخندق وله خمس عشرة سنة فأجازه، واعترض أبو بكر الرازي على ذلك بأن أحدا كان في سنة ثلاث والخندق في سنة خمس فكيف يصح ما ذكر في الخبر، وأيضا لا دلالة فيه على المدعي لأن الإجازة في القتال لا تعلق لها بالبلوغ فقد لا يؤذن البالغ لضعفه ويؤذن غير البالغ لقوته وقدرته على حمل السلاح.
ولعل عدم إجازته عليه الصلاة والسلام ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أولا إنما كان لضعفه ويشعر بذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما سأله عن الاحتلام والسن. ومما تفرد به الشافعي رضي الله تعالى عنه على ما قيل جعل الإنبات دليلا على البلوغ واحتج له بما روى عطية القرظى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من أنبت من قريظة واستحياء من لم ينبت قال: فنظروا إلي فلم أكن قد أنبت فاستبقاني صلى الله عليه وسلم؛ وتعقبه أبو بكر الرازي بأن هذا الخبر لا يجوز إثبات الشرع بمثله فإن عطية هذا مجهول لا يعرف إلا من هذا الخبر، وأيضا هو مختلف الألفاظ ففي بعض رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من جرت عليه المواسي، وأيضا يجوز أن يكون الأمر بقتل من أنبت ليس لأنه بالغ بل لأنه قوي فإن الإنبات يدل على القوة البدنية، وانتصر للشافعي بأن الاحتمال مردود بما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن غلام فقال: هل اخضر إزاره فإنه يدل على أن ذلك كان كالأمر المتفق عليه فيما بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم المشهور عن الشافعي عليه الرحمة جعل ذلك دليلا على البلوغ في حق أطفال الكفار، وتكلف الشافعية في الانتصار له ورد التشنيع عليه بما لا يخفى ما فيه على من راجعه.
ومن الغريب ما روي عن قوم من السلف أنهم اعتبروا في البلوغ أن يبلغ الإنسان في طوله خمسة أشبار، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار فقد وقعت عليه الحدود يقتص له ويقتص منه.
وعن ابن سيرين عن أنس قال: أتى أبو بكر رضي الله تعالى عنه بغلام قد سرق فأمر به فشبر فنقص أنملة فخلى عنه، وبهذا المذهب أخذ الفرزدق في قوله يمدح يزيد بن المهلب: ما زال مذ عقدت يداه إزاره * وسما فأدرك خمسة الأشبار يدني كتائب من كتائب تلتقي * بالطعن يوم تجاول وغوار وأكثر الفقهاء لا يقولون به لأن الإنسان قد يكون دون البلوغ ويكون طويلا وفوق البلوغ ويكون قصيرا فلا عبرة بذلك. ولعل الأخبار السابقة لا تصح. وما نقل عن الفرزدق لا يتعين إرادة البلوغ فيه، ومن الناس من قال: إنه أراد بخمسة الأشبار القبر كما قال الآخر: عجبا لأربع أذرع في خمسة * في جوفه جبل أشم كبير هذا وقرأ الحسن. وأبو عمرو في رواية * (الحلم) * بسكون اللام وهي لغة تميم، وذكر الراغب أن الحلم بالضم والحلم السكون كلاهما مصدر حلم في نومه بكذا بالفتح إذا رآه في المنام يحلم بالضم ولم يخص ذلك بلغة دون أخرى، وعن بعضهم عد حلما بالفتح مصدرا لذلك أيضا، وفي " الصحاح " الحلم بالضم ما يراه النائم تقول منه: حلم بالفتح واحتلم وتقول حلمت بكذا وحلمته أيضا فيتعدى بالباء وبنفسه قال: فحلمتها وبنور فيدة دونها * لا يبعدن خيالها المحلوم والحلم بكسر الحاء الأناة تقول منه: حلم الرجل بالضم إذا صار حليما، وفي " القاموس " الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام ثم قال: وحلم به وعنه رأى له رؤيا أو رآه في النوم والحلم بالضم والاحتلام الجماع في النوم
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»